تحول الرياضيين إلى ساسة.. رحلة البحث عن نفوذ
لطالما صرح الكثيرون بأن الرياضة والسياسة وجهان لعملة واحدة، ولكن بالرغم من ذلك ثمة ملاحظة تشير إلى أن الرياضيين عادة ما يتجنبون الدخول إلى معترك السياسة، إما لأنهم يجنون من الرياضة ما يشبع رغباتهم من مال وشهرة وأضواء, أو لأنهم يشعرون بأنه لا يوجد لديهم ما يقدمونه في عالم البولوتيكا المليء بالصراعات, أو أن الأمر سيكون بالنسبة لهم بإختصار مجرد (تضييع وقت) أو سحب من رصيد شعبيتهم، ولكن في الأونة الأخيرة بدأت السياسة تظهر بصورة جديدة أكثر جذباً وبريقاً في أعين نجوم الرياضة, وبدأ كثير من الرياضيين يحاولون استغلال شعبيتهم وشهرتهم في إقتحام عالم المناصب السياسية البارزة بعد إعتزالهم اللعبة التي يمارسونها, ليس من قبيل كسب مزيد من الثروة أو الشهرة, فهي موجودة, ويمكن للرياضي أن يحافظ عليها من خلال عمله بعد الإعتزال في مجال التجارة أو الأعمال أو الإعلان أو ربما في المجال الرياضي نفسه من نقد وتحليل وتدريب وإدارة وغير ذلك, وإنما من قبيل الإنتقال إلى مرحلة جديدة تقوم على السلطة والجاه.
محاكمة أبو تريكة:
الأنباء الواردة من قاهرة المعز تفيد بأن لجنة التحفظ على أموال الإخوان المسلمين قررت التحفظ على أموال نجم فريق الأهلي والمنتخب المصري المعتزل محمد أبو تريكة، وقالت اللجنة إن النائب العام كلف نيابة أمن الدولة العليا بالتحقيق في البلاغات المحالة إليها من اللجنة وإتخاذ كل الإجراءات القانونية، وظلت الإتهامات تلاحق النجم الأشهر في تاريخ كرة القدم المصرية منذ إعتصام رابعة العدوية الذي إتهم أبو تريكة فيه بإشتراء مولدات الكهرباء التي أنارت الميدان، وهنالك الكثير من التقارير الصحفية التي تتحدث عن إنتماء النجم الخلوق لجماعة الإخوان المسلمين.
قادة الإتحاد:
ثمة من يرى أن الجمع بين الرياضة والسياسة أصبح اختصاصاً سودانياً بامتياز، رغم أنّه سبق وأن جمع رياضيون عالميون بين المضمارين، ولأنّ السودانيين أثبتوا منذ الأذل جنوحهم نحو الغلوّ والمبالغة فقد إصطف الرياضيون طوابير من أجل المشاركة، في الانتخابات الماضية مستغليّن شهرتهم والقاعدة الجماهيرية لفرق كرة القدم من أجل ضمان مقعد في البرلمان، وقد أفصحت انتخابات المجلس الوطني في أبريل الماضي عن ظهور الرياضيين على سطح التسابق الانتخابي بأكثر من عباءة حزبية سياسية، ولعل قادة اتحاد كرة القدم السوداني كانوا الأبرز في الطفو على سطح الظهور بالترشيحات للمجلس الوطني؛ حيث لمع اسم الضباط الثلاثة في الدوائر الإنتخابية ما بين الحصاحيصا شرق، ونيالا غرب والخرطوم، فرئيس الإتحاد د. معتصم جعفر أراد أن يمتد وجوده في أسوار البرلمان بعد أن دخله بعباءة حزبية جديدة، وهو يخلع أثواب الاتحادي ويرتدي زي المؤتمر الوطني في تحول كبير بخارطة الرجل السياسية كما الرياضية، وجعفر نفسه نافس على رئاسة اتحاد الصيادلة، كما فاز بولاية جديدة العام قبل الماضي في رئاسة اتحاد الكرة، والضابط الثاني مجدي شمس الدين سكرتير الاتحاد الذي حقق ضلوعاً كبيراً في المحيط الكروي ببلوغه المكتب التنفيذي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف) لولايتين على التوالي، وبلغ منصباً جديداً تمثل في رئاسة (لجنة الحكام الأفارقة)، وأعلن إنضمامه العام قبل عامين للحزب الاتحادي الأصل وبايع مولانا محمد عثمان الميرغني في حدث مشهود أحدث ردود أفعال كبيرة، لاسيما والرجل كان يحتمي برعاية دائرة الشباب والرياضة في الحزب الحاكم لثلاث دورات انتخابية، أما الضابط الثالث في الإتحاد السوداني لكرة القدم، الأستاذ أسامة عطا المنان فقد ترشح في دائرة نيالا غرب التي تم تفريغها له، في إشارة إلى ترابط مصالح بينه والمؤتمر الوطني رغم ترشحه عن دوائر الحزب الاتحادي الأصل.
رؤوساء الأندية:
هذه ليست المرة الأولى التي يتدافع فيها الرياضيون نحو البرلمان، إذ شهدت الانتخابات الماضية دخول عدد من الرياضيون إلى قبة المجلس الوطني، وعلى رأسهم رئيس نادي المريخ الحالي جمال محمد عبد الوالي، الذي يعتبر ابن الحركة الإسلامية من بواكير شبابه عندما كان طالباً بمدرسة حنتوب الثانوية، وهو من أبناء منطقة فداسي الحليماب بولاية الجزيرة، ووالده المرحوم محمد عبد الله الوالي، الذي تعود جذوره إلى منطقة الزيداب بولاية نهر النيل وهو من أقطاب الحزب الاتحادي الديمقراطي، وقد كان مرتبطاً بالزعيم إسماعيل الأزهري، وله صلات قوية بالشهيد الشريف حسين الهندي، علاوة على ذلك فقد تولى منصب سكرتير عام مشروع الجزيرة في الستينيات، ولم يكن جمال الوالي أول رئيس لنادي رياضي يمارس السياسة، ويهوى الرياضة فقد سبقه في ذلك، حكيم الهلال ورئيسه الأسبق طه علي البشير الذي دخل في دهاليز الاتحادي الأصل بعد مؤتمر المرجعيات بالقاهرة عام 2004م على خلفية الإرث والمزاج، استجابة لنداء الهيام المتجذر، وارتبط بعلاقة وثيقة مع مولانا محمد عثمان الميرغني وظل في أغلب الأحايين يكلف بالعديد من الملفات، حيث أظهر طه طاقة حيوية في العمل الحزبي، وهو الذي اشتغل في دنيا الرياضة دفقات طويلة من عمره! وكان منهج طه في الحزب قائماً على ترتيب الأمور على باحة التنظيم والمؤسسة وإصلاح المثالب والقصور، والعمل على قيام كيان ديمقراطي النزعة والملامح، وكان له رأي مشهود في رفض مشاركة حزبه إنطلاقاً من مفاهيم راسخة ورؤى مدروسة، هكذا ظل الرجل عصياً على المؤتمر الوطني في إطار الانضمام إليه، وبذات القدر ظل يطالب بإيجاد المعالجات الناجعة لحالات التوهان والضعف في الاتحادي الأصل، ويذكر أن رئيس الهلال السابق الأستاذ صلاح إدريس قد زواج بين السياسة والرياضة والبزنس.
نجوم العالم:
أحد نجوم الرياضة الذين تحولوا من الملعب الرياضي إلى السياسي نجم كمال الأجسام والسينمائي الشهير أرنولد شوارزينغر حاكم ولاية كاليفورينا الأمريكية السابق ، فاز ببطولة العالم لكمال الأجسام لسبعة مرات ثم انتقل إلى عالم السينما وأدى العديد من الأدوار الخالدة أهمها “المبيد” ثم دخل عالم السياسة وبات حاكم كاليفورنيا عن الحزب الجمهوري في العام ٢٠٠٦ قبل أن يترك منصبه إثر فضيحة طالت حياته الخاصة، وأيضاً من الذين غوتهم السياسة النجم الليبيري الأسطورة وأفضل لاعب في أوروبا والعالم في عام ١٩٩٥، جورج وياه الذي لعب لعديد الأندية الأوروبية الكبيرة أبرزها الميلان الإيطالي وأصبح رمزاً سياسياً وإنسانياً وفي بلاده ، ترشح لرئاسة بلاده العام ٢٠٠٥ لكنه لم ينجح بعد أن كان عضواً في مجلس الشعب الذي تم انتخابه بعد الحرب الأهلية، وكذلك النجم البرازيلي الكبير روماريو بطل العالم وأفضل لاعبيه في العام ١٩٩٤، حيث سجل في مسيرته أكثر من ألف هدف وهو ما لم ينجح به أحد غير الأسطورة بيليه، وقد إنضم للحزب الاشتراكي البرازيلي بغية الفوز بمنصب نائب فيدرالي عن ولاية ريو دي جانيرو وهو ما نجح في تحقيقه، أما بيبيتو زميل روماريو ورفيق دربه، فقد سار على نفس الطريق وانضم إلى الحزب العمالي الديمقراطي وترشح للانتخابات بغية الفوز بمقعد في البرلمان، أما المدافع الفرنسي القوي ليليام تورام بطل أوروبا والعالم، أصبح فيما بعد من أشد المدافعين عن حقوق الأقليات والإنسان وفاز بعدة جوائز تقديريه، وقد كان له العديد من المواقف المثيرة للجدل آخرها انتقاده لزميله لوران بلان مدرب منتخب فرنسا في قضية تخفيض نسبة اللاعبين الشبان من أصول غير فرنسية في المدارس الكروية، ويذكر أن الإعلامي وحارس مرمى منتخب مصر السابق أحمد شوبير كان عضواً في مجلس الشعب عن محافظة طنطا وفقد مقعده في العام ٢٠١٠، ومن المعلومات المثيرة عن الرئيس التركي الحالي رجب طيب أوردغان أنه بدأ حياته كلاعب كرة قدم شبه محترف ، لكنه إبتعد بعد سنوات قليلة عن الرياضة وتحول لعالم السياسة حيث أجادها بشكل واضح ليصبح أحد معالم التغيير الكبير في تركيا، ومن المعلومات المثيرة للدهشة أيضاً أن مدرب المنتخب الوطني محمد عبد الله مازدا هو أحد أعضاء البرلمان الحالي.
تقييم التجربة:
إذا جاز لنا أن نتحدث عن تجارب الرياضيين الذين تحولوا إلي السياسة, سواء علي مستوي العالم العربي أو علي مستوي العالم بوجه عام, فسنجد أن90% من هذه التجارب باءت بالفشل الذريع, وكانت السياسة بمثابة المحرقة أو المشنقة التي أهدر فيها رياضيون لامعون شهرتهم وجاذبيتهم، وإذا بدأنا بواحد من أعظم الرياضيين علي مر التاريخ, وهو نجم الكرة البرازيلي الأشهر بيليه الذي اعتزل اللعب دوليا عام1971, واعتزل اللعب نهائيا في1977, فسنجد أن بداياته السياسية كانت مبكرة ومبشرة, خاصة عندما دعي إلي المشاركة في مباراة استعراضية في العاصمة النيجيرية القديمة لاجوس عام1967, عندما اتفق طرفا الحرب الأهلية في نيجيريا وقتها علي هدنة لوقف القتال بينهما لمدة 48 ساعة فقط، ولكنه بعد الاعتزال, وبعد دخوله بنجاح مجال التعليق التليفزيوني علي المباريات, ثم التحليل الكروي, وكذلك الدعاية والإعلان والترويج للسلع والخدمات المالية, اتجه إلي عالم السياسة من باب الرياضة, وتم اختياره وزيرا للرياضة في مايو1997, وظل في منصبه هذا إلي عام1999 حيث كان يطمع علي ما يبدو في المزيد, ولكنه علي الأرجح تراجع عن فكرة العمل بالسياسة, بعد أن ترك منصبه الوزاري لرغبته في محاربة الفساد في الرياضة البرازيلية, وهو ما أثار خلافا حادا وقتها مع رئيس الاتحاد البرازيلي للكرة وقتها ريكاردو تيكسييرا، وهناك نجم الكرة الأرجنتيني دييجو مارادونا المعتزل منذ عام1997 بسبب فضيحة تعاطيه الكوكايين, الذي يدق أبواب السياسة بقوة من جهة مختلفة, فهو حريص علي الظهور أمام العامة في صورة تشي جيفارا الجديد, وهي صورة محببة لدي الجماهير اللاتينية بوجه عام, فظهر في أكثر من مناسبة مع الرئيس الكوبي فيدل كاسترو والرئيس الفنزويلي هوجو شافيز, وهو دائم الحديث عن أحلام الفقراء وهمومهم, لعل وعسي يجد طريقه يوما ما إلي عالم السياسة رغم مشكلاته التي لا تنتهي, والتي لم تنقص من شعبيته شيئا كذلك! وربما كان من أبرز الرياضيين العالميين الذين دخلوا عالم السياسة في السنوات الأخيرة العبقري الروسي جاري كاسباروف بطل العالم الأسبق في الشطرنج المولود في أذربيجان من أم أرمينية, الذي بلغ من عبقريته درجة أنه, فضلا عن كونه بطلا للعالم في الشطرنج لسنوات عديدة, نجح في عام1996 في التغلب علي الكمبيوتر الخارق’ ديب بلو’ الذي كان يستطيع حساب180 مليون نقلة في الثانية الواحدة!ودخل كاسباروف عالم السياسة للمرة الأولي في عام1990 عندما شارك في تأسيس الحزب الديمقراطي الروسي, ثم تحالف’ اختيار روسيا عام1993, وشارك في الحملة الانتخابية للرئيس الراحل بوريس يلتسين عام1996,, ولكن بدايته السياسية الحقيقية جاءت بعد اعتزاله الشطرنج في عام2005, حيث أنشأ الجبهة المدنية المتحدة الداعية إلي الديمقراطية والتي عارض من خلالها حكم الرئيس فلاديمير بوتين, ثم انضم إلي تحالف روسيا الأخري الذي يجمع بين الحزب البلشفي الوطني وحزب العمال اليساري المتشدد،وكاسباروف الآن يسخر عقله في معارضة نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين, ولكن دون أن تكلل جهوده بالنجاح حتي الآن, فقط يحسب له أن نجوميته الرياضية هي التي جذبت أنظار وسائل الإعلام العالمي بصورة أكبر إلي المظاهرات التي يقودها ضد بوتين, وكان من أغرب ما تعرض له البطل كاسباروف عندما تلقي ضربة علي رأسه بلوحة شطرنج من قبل أحد المعجبين الذي كان يوقع له كاسباروف عليها للذكري, حيث قال له المعتدي أنا أحبك كلاعب شطرنج, ولكن عليك أن تترك السياسة لأهلها.
كيفية الجذب:
أما لماذا تجذب السياسة نجوم الرياضة, فهو سؤال مهم حاول تقرير لصحيفة إنترناشيونال هيرالد تريبيون الإجابة عنه, فقالت: هناك منطق وراء اتجاه الرياضيين إلي السياسة, لأن الرياضي في معظم الأحيان يجد نفسه قد بدأ محاولة البحث عن مهنة أخري بعد سن الثلاثين, خاصة أن هذه هي السن التي لا يكون فيها السياسي قد حقق شيئا, بل يكون عادة مازال في بداية مشواره السياسي, كما أن الرياضيين يكونون في تلك السن قد امتلكوا نفس المواصفات التي تلزم السياسيين للنجاح في مهنتهم وهي المواصفات الشخصية والتنافسية والطاقة والشهرة والسمعة الطيبة, والمال أيضا, فهذه هي المواصفات الأساسية الواجب توافرها في السياسي, وربما لا يحظي بها كثير من السياسيين إلا بعد سنوات من العمل المضني، وعلي أي حال, فإن الأمر لم يتحول إلي ظاهرة بعد, ولكنه في الطريق لأن يصبح كذلك, فأموال الرياضة تغري صاحبها بالبحث عن السلطة والمنصب, بدلا من المهن الرياضية التقليدية بعد الاعتزال, ولكن السؤال هنا هو: هل تحتاج السياسة من جانبها إلي الرياضيين؟
أكرم الفرجابي
صحيفة ألوان