د. محمد الأمين خليفة : الأراضي.. الديار.. الحواكير
الأرض من القضايا المحورية التي أثير فيها النقاش والجدل أثناء أشغال مؤتمر الحوار الوطني بـ(قاعة الصداقة)، وفي أكثر من لجنة من لجان الحوار لما لها من اعتبار، فهي قضية جوهرية في اللجنة الاقتصادية لما لها من التأثير الاقتصادي في طلب المعاش والرزق وابتغاء الكسب، وهي قضية حيوية في لجنة الحكم لما لها من التأثير السياسي في محوري الحكم والإدارة، وهي قضية مطروقة بشدة في لجنة الهوية لما لها من بصمة بارزة عند التوافق على الهوية القومية الجامعة التي تجمع الشعب وتصبه في قالب المواطنة، وهي قضية أساسية عند لجنة الحريات لما لها من مفهوم أساسي ومفتاحي عند الممارسة لحرية التملك والتنقل والتجارة والعمل.
أما الأرض في لجنة السلام والوحدة، فهي معنية بتوطيد واستدامة السلام عليها وبصون الوحدة، فإذا ما أحسنت استخدامها فيها الخير الكثير مثل الإطعام من جوع والأمن من خوف، أما إذا أسيء فيها الفهم والاستخدام فتجلب للناس شراً مستطيراً، وتصبح سبباً للتنازع وباعثاً للحرب التي تهلك الحرث والنسل.
تصدت لجنة السلام والوحدة لهذه القضية الحيوية من خلال مدارسة الأوراق التي تطرقت لها وتأثيراتها على مجريات السلام، ونود أن نبين شيئاً منها لما للأرض من معنى ومغزى.
فمن بعد تطاول الجلسات وحدّة النقاش واختلاف الرؤى والآراء، وبعد السماع إلى أهل الخبرة والمهنة والتخصص من خلال المحاضرات التي قدمت، ارتأت اللجنة أن تقف على تطبيق وممارسة السلطة تجاه الأراضي لبعض الدول من أجل العبرة والمقاربة:
الإتحاد السوفيتي (سابقاً): لا يعترف الدستور بملكية الأرض لأحد لأنها مصدر من مصادر الثروة القومية.
بريطانيا العظمى: تعتبر كل أراضي الجزر البريطانية بحوزة الملك أو الملكة، ولا يجوز لأحد أن يمتلك منها شيئاً بل الملك هو الذي يملك حق الانتفاع.
كوريا الشمالية: تدار الأرض فيها بواسطة مفوضية مركزية تضع في حسبانها النظام والقانون.
دول اسكندنافيا: تقتني الأرض على التراضي ولا تلجأ إلى ممارسة حق الشفعة أو نزع ملكية الأرض إلا في حالات نادرة.
فرنسا: لها قانون للأراضي يعرف باسم (التوجيه العقاري) يعتبر اقتناء الأرض المخصصة لمشاريع التنمية والتعمير من مقومات المصلحة العامة، ويمكن نزع الملكية لفائدة المصلحة العامة.
القبائل العربية: كانت القبائل العربية قبل الإسلام تمتلك رقبة الأرض ولها مطلق التصرف فيها، وعلى سبيل المثال كانت “مكة المكرمة” تمتلكها قبيلة (خزاعة) حتى أخرجهم منها “قصي بن كلاب” جد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وقسمها أرباعاً بين القبائل، وكانت تلك التراتيب متبعة حتى جاء الإسلام.
المنظور الإسلامي: إن الإسلام لا يقبل اشتراط أن تتطابق فيه الأرض والعرق، ويتحدث الإسلام عن القربى المكانية، فالأرض لا تكون لبني (فلان) أو لقبيلة (علان) إلا على سبيل المجاز والوفاء التاريخي، ولقد جاء في صحيفة المدينة (أن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وأن ذمّة الله واحدة)، إذن من يتوطّنون أرضاً واحدة متساوون في الحقوق والواجبات، فالجار المعني في الإسلام هو شخص أو أشخاص لا يرتبطون في الغالب الأعم ارتباطاً رحمياً أو دينياً مع المجموعة الأساسية، ربما فرقهم العرق أو الدين لكن جمعهم المكان، والرابط المكاني له حرمة كحرمة العرق أو الدين ويكوّنان معاً الإطار العام للسلطة المحلية، وذلك من أجل الانصهار القومي الذي ينادي به الإسلام. فالمسلم الذي يعرف مغزى الإسلام لا ينادي بالانفصال أبداً بسبب الدين أو العرق أو اللون أو الجهة. وهذا هو وجه الخلاف الأساسي بين الدولة اليهودية “إسرائيل” وأرض “فلسطين”، ففي المنظور الإسلامي أن الأرض لله والدولة مستخلفة عليها ومسؤولة عن إدارتها بالحق والعدل.
الديار: الدار رقعة جغرافية من الأرض تسمى أو تنادى باسم قبيلة من القبائل، مثل دار الجعليين أو دارفور أو دار الكواهلة أو دار زغاوة …….الخ من أجل الوفاء التاريخي لكن ليس للقبيلة المسمية بها الحق القانوني في الامتلاك أو التصرف فيها إلا وفق القانون أو العرف. أما الحواكير فسيكون موضوع المقال التالي لما بها من لغط ومفهوم خاطئ أدى أحياناً إلى التنازع والاقتتال بين القبائل.