خالد حسن كسلا : مات واقفا .. كغصن البانة
> الكثير من الناس يكتب ويتحدث عن رجل معروف.. مشهور.. متأول كدأب كثير من المجتهدين في حقول الفكر. وما قد لا يكون تطرق إليه مراقب في حياة الراحل بعد موته واقفاً كغصن البانة، هو إنه قد أقر في واحد من مؤلفاته بأن الحجة القوية يملكها في ميدان الدعوة الإسلامية علماء ومفكرون ودعاة جماعة أنصار السنة المحمدية.
> كتاب الراحل حسن الترابي (الحركة الإسلامية.. التطور.. الكسب). أورد فيه هذا الإقرار المفهومي..
ويدل هذا على إنه تصفح (منوفست الجماعة).. ويبقى هذا الإقرار من باب الأمانة العلمية.
> وجون قرنق في كينيا أثناء مفاوضات حركته الأخيرة مع الحكومة، استقبل وفداً ضم الزعيم التاريخي لجماعة أنصار السنة المحمدية الراحل محمد هاشم الهدية.. وكان حديث قائد التمرد مع الزعيم الدعوي عجباً.
> وقرنق قال (نحن نستفيد من أنصار السنة في مكافحة العنصرية). وتبقى هذي شهادة أخرى من شخص زعم ما زعم بخصوص بعض القضايا التي ترك حلها بالداخل وهرب .. لتنتج عن هروبه لاحقاً دولة يأكل فيها الناس بعضهم.
> والترابي وهو شاب صغير وفي سن الثانية والثلاثين يظهر كسياسي إسلامي في وقت كان يزدري فيه الشيوعيون في الساحة الفكرية. كان الترابي ممن يكشفون سوءات تلك الأفكار الوافدة من المناطق الباردة جداً.
> لم تكن حينها قوة فكرية يمكن أن تقاوم ما تحمله سطور الكتب الموسكية.. ولم تعرض المكتبة السودانية القدر الكافي من كتب الترياق التي تأتي من مصر.
> كانت كتب العقاد وعبدالمنعم النمر تشترى من المكتبات المصرية.. تقرأها النخبة السودانية.
> كان الترابي يقرأ أندر الكتب في ذاك الوقت.. ولو كان الحزب الشيوعي السوداني حزباً تنموياً على طريقة الحزب الشيوعي الصيني.. لما انهزم فكرياً أمام حجج القوى الإسلامية.
> ودعونا هنا في مناخ الحزن والاتعاظ والتفكر نتحدث عن الشأن العام لأن الراحل شخصية عامة.. خرج إلى ساحة العمل العام.
> فهو قد تزعم جماعة دعت وغيرت وبهذا وذاك اجتذبت الكثير من مستنقعات الأفكار والأشرار. فأنت تختلف مع جماعته ومعه.. لكنك تحسب جيداً إن جماعته شكلت توازناً مهماً في الساحة مع غيرها.. مع جماعة الهدية مثلاً.
> وأنت تختلف بشدة مع جماعته لكنك مع ذلك تشعر بأهمية وجودها في الساحة لأنها لن تختلف معك اختلافاً مطلقاً لو كانت الغاية واحدة.
> فلا اختلاف مطلق و لا اتفاق مطلق بين من يصبون إلى تحقيق هدف واحد هو إعلاء كلمة الله. ونجد أن الحركة الإسلامية التي تزعمها الراحل الترابي ردحاً من الزمن، قد قامت دعوتها الفكرية على الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية.
> واستئناف الحياة الإسلامية يبدأ باستبدال القوانين البريطانية والهندية السيئة بأخرى إسلامية راسخة في الكتاب والسنة.. أو مشتقة من أصولهما.
> وجماعة الترابي اجتهدت جداً في عملية التغيير لصالح تطبيق القوانين والموجهات الإسلامية.. وبالتغيير سدت الطريق أمام خدام المواريث الأجنبية.. و إن كان بها ما بها.. حيث لا عصمة إلا للأنبياء والرسل، فإن العرب قديماً قالت، إن في الشر خيار.
> الراحل الترابي عاش نشطاً كالنحلة ومات واقفاً كالبانة.. فعلينا وعليه رحمة الله.
غداً نلتقي بإذن الله.