عبد المنعم مختار : اليوم العالمي للمراة
جلس على ركبتيه (يشخبط) على الأرض ويرسم وجهها على التراب لأنه يعتقد أن اقداره في ذرات التراب على خصلات شعرها المجدول .. كانت مجرد حلم تضئ نوافذه بالاشراق عندما يندس داخل بطانيته الثقيلة في ليلات الشتاء الباردة كان وجهها مألوفاً يتجمع مع الغيمات .. ومع ضحكة الشمس في الصباح .. ومع احمرار الشفق عند المغيب.
كان في صراع دائم مع احلامه المبعثرة فقد ظل يبحث عن وجهها في الشوارع .. والاسواق .. وذرات التراب … لذلك كان يرسمها على التراب ليحيل هذه الآمال إلى خطوط تمشي .. تتصاعد إلى أنفاسه ليحس بعبيرها يتسرب في مساماته .. أهل قريته كانوا يعتقدونه مجنوناً ضاع عقله بين اكوام التراب فتلاشت أركان اتزانه في غمرة البحث عنها.
كانت دنياه تومض عندما يعصف به التعب فينزوي الى سيريره يخرجها قبساً أمام عينيه فينام .. يتصبب عرقاً وهو يلاحق وجهها بين النجوم يركض قلبه فتثنيه أشرعة الخطوب عن المواصلة .. فيسترجع نزعة الترتيب ودقة التوصيف.. فيفجرها (خربشات) على الأرض سرعان ما تزيلها الأرجل المتسارعة من البشر والدواب .. وخطو الريح .. البحر كان صديقه يبثه صمته وقلقه وتوتره وانتظاره الطويل فيتجسد قول الشاعر على خواطره المكسورة.
متفرد بصبابتي متفرد بكابتي
شاكٍ إلى البحر اضطراب خواطري
فيجيبني برياحه الهوجاء
ثاوٍ على صخرة أصم وليت لي قلب كهذه الصخرة الصماء
داعبته النسيمات المبللة بالندى وهو يرهن تفكيره على الشطء لمجرد أن ذهنه كان يختزنها كشعور جميل يملأ دنياه بالحبور .. اخرج بعض آهاته .. وذهب لغرفته ليعتصر بقايا احلامه .. كان يعمد إلى كراسة قديمة يكتب فيها انفعالاته .. وأقوال فلاسفة مجانين مثله .. واشعار مهزومة لشعراء يمارسون النزيف على الحروف .. ولديه فلسفة غريبة جمعها من اشتات العصارات وبقايا المحاذير .. وضعها عنوان منزوي في كراسته وبقلم الرصاص .. الكلمات تقول (إذا أردت أن تلغي حواجزك مع امرأة تعشقها فالقي على مسامعها نكتة سخيفة) ومشكلته أنه لا يحفظ أي نكتة .. ولا يعرف امرأة .. وإنما هي اشتات ملامح يجمعها من ثنايا نومه المتقطع.
في ذلك اليوم تحرك من منزله مستعجلاً ليمارس هوايته في البحث عنها والتحديق في الوجوه المثقلة بالوجع .. وفي رأسه آلاف التساؤلات والهواجس .. اجتاز الممر الضيق وحاول أن يقطع الشارع .. ولكن لم يبالِ لتلك السيارة المسرعة .. وعبر لحظات تحولت فيها احلامه إلى اجزاء مكسورة من الامنيات ورأى وجهها يعبر المسافات والحواجز تجول بين التفاصيل .. تلتصق في حالات اللاوعي طيور تحلق في السراب ومرت الساعات .. وأفاق من صدمته بالمستشفى .. وحكى له أهله الحادث عندما قذفت به السيارة المسرعة إلى نهاية الرصيف .. الحمد لله أنه لم تصيبه إلا بعض الرضوض البسيطة في جسده المتهالك وقد اخبروه أن الفتاة التي صدمته بالسيارة لم تبارح المستشفى قط وقد ظلت ساهرة طوال الليل .. ولم تغادر إلا بعد أن تأكدت من الدكتور تحسن حالته لم يبدِ الامر اهتماماً في بادي الأمر .. ولكن فجأة لمحها بين الممر في المستشفى .. هي بذات سماتها وملامحها .. وبذات العيون التي يخربشها في التراب ولم يصدق نفسه وهي تقف أمامه وتسأله (الليلة أصبحت كيف) لقد كانت الفتاة التي صدمته بالسيارة. ولم ينسي ان اليوم يصادف اليوم العالمي للمراة فقد كبر حجم الانثي بداخله كثيرا