بخاري بشير : خلافة الترابي.. بين القيادة الجمعية وتضخم الـ(أنا)!
< تحدث كثيرون عن رحيل العالم المجدد الدكتور حسن عبد الله الترابي، لكن كان أكثر ما لفت نظري الحديث الذي أدلى به د. علي الحاج، نائب الترابي وأكثر نوابه إثارة للجدل في الـ(16) عاماً الماضية. < أمضى علي الحاج سنوات طويلة في الغربة، وحتى بعد التقارب الذي حدث بين الشعبي والوطني في الفترة الأخيرة، وهي فترة الحوار الوطني، آثر دكتور علي الحاج البقاء بالخارج ورفض كل دعوة قدمت إليه، بما فيها دعوة قدمها له رئيس الجمهورية عبر وسطاء ليشارك في الحوار الوطني من داخل قاعة الصداقة. < لكن يبدو أن طبيب النساء والتوليد الذي امتهن السياسة وصار في وقت ليس بالطويل نائباً للزعيم الروحي للإسلاميين الدكتور الراحل حسن الترابي، يبدو أن دكتور الحاج فضّل البقاء داخل المناخ الألماني على مناخ الحوار. < عودة علي الحاج إلى الخرطوم بعد غياب دام لـ(16) عاماً كاملة، وصفها البعض بأنها جاءت عبر بوابة الأحزان تلك البوابة الكبيرة التي انفتحت بموت الأب الروحي وملهم الإسلاميين. د. حسن عبد الله الترابي في السابع من هذا الشهر. < دخل علي الحاج بعد غياب عقد ونصف من الزمان إلى فناء ودهاليز المؤتمر الشعبي، في ذات التوقيت الذي خرج فيه دكتور الترابي، وليته كان مجرد خروج، فخروج د. الترابي من فناء ودهاليز المؤتمر الشعبي كان خروجاً أبدياً، بانتقال الرجل إلى الرفيق الأعلى، بعد أن خلّف وراءه كثيراً من المباديء والأفكار والمرتكزات، مخلفاً «فراغاً» كبيراً لن يسده مجايلوه ولا حتى تلاميذه، فالبون بين المعلم والتلميذ صار بعيداً.. < قد يقول البعض إن الدكتور علي الحاج بقي في تلك الغربة الطويلة بأمر ومباركة زعيم الحزب الراحل وقيادة الحزب التنفيذية، ليقوم بتنفيذ مهام خارجية للحزب لا يستطيعها غيره، وربما يكون هذا القول صحيحاً، لكن في تقديري أن هذه الأسباب انتفت بمجرد دخول حزب المؤتمر الشعبي في الحوار الوطني دون شروط، بل انتفت تماماً بمضي الحزب إلى تبني وجهة نظر الحوار والتبشير بها، ومشروعه في اقناع الرافضين لفكرة الحوار. < عودة الدكتور علي الحاج بعد ذهاب الرجل المؤسس في رحلة غيابه الأبدية، ليس لها غير تفسير واحد، هو سعي بعض القيادات لتلميع ذاتها تمهيداً لمسألة الخلافة. هذا مع التأكيد على أن المسافة بين القيادة السابقة ممثلة في الشيخ المؤسس، والقيادة «المحتملة» ممثلة في القيادات الظاهرة الآن مسافة شاسعة و«فراغ» عريض. < لن يجد حزب المؤتمر الشعبي في وقت قريب على الأقل من يخلف الشيخ الراحل، لكن قد تتخلق هذه الخلافة التي قد تسد «الفراغ» في المستقبل الآتي، فرحم السودان لا زال رحماً ولوداً، ويبقى الأمل معقوداً على قادمات الأيام. < يستطيع الشعبي كحزب تجاوز في عمره الـ(16) عاماً، وهو لا زال غض طرير الشباب، أن يبقى على قيادة تتمثلها مباديء الحزب واطروحاته، وتكون عازفة عن المناصب، طالما ظل بعيداً عن الأهواء والطموحات الزائفة التي يرسمها البعض ويزين بها صورته. < ويستطيع الحزب أن يبقى قوياً، طالما ظل راسخاً في فقه الشورى، فالقيادة الجمعية ربما تكون «معصومة» عن مزالق الهوى، الذي يكون متاحاً بتعلية الذات وتضخيم الـ«أنا». < قد يكون مؤتمر الشورى القادم لحزب المؤتمر الشعبي، والمزمع قيامه في أبريل القادم، هو العاصم من «شخصنة» الذات، ولن يبلغ مؤتمر الشورى إلى تمام أهدافه إذا سيطرت عليه النظرة الذاتية الضيقة. < مضى د. الترابي إلى ربه، بعد أن وضع الكثير من «لبنات» البناء الضخم، الذي يحتاج إلى تكملة البناء، فقد وضع أساسه على نظرة واسعة، ولم يحصره في إناء «ضيق»، كانت نظرته إلى القومية ثم العالمية، لأن الدين جاء للناس كافة ولم يجيء لفئة بعينها.