تحقيقات وتقارير

الكاشمالي.. أُستديو جائل ومسرح متحرك على قمم شاهقة.. بص إثيوبيا العتيق

(الكاشمالي) هو نوع من سيارات نقل الركاب المعروفة بالبصات السفرِّية، يتم تجميع وتصنيع هيكله الخارجي داخل إثيوبيا بمواصفات خاصة تتناسب مع وعورة الطرق البرية في البلاد، وأهم الماركات التي يتم تصنيع هياكل الكاشمالي منها هي شاحنات الفيات والفولفو والإسكانيا، كما يتم تصنيع كافة الملحقات الأخرى لهذه السيارة داخل إثيوبيا، إلى هنا يبدو الأمر عاديّاً لا غرابة فيه، لكنك ما إن تستخدم الكاشمالي حتى تفاجأ بتلك المواصفات الغريبة للمقاعد وللقسم المخصص لشحن الأغراض أعلى السيارة العتيقة.
تاريخ عريق
لسيارة الكاشمالي تاريخ عريق حتى أن كثيرا من الفنانين والفنانات الكبار تغنوا لها، فقد كانت سيدة الطريق حين لم تكن معظم الطرق في إثيوبيا مسفلتة ولا معبدة، وكانت تحظى يمكانة سامقة ومرموقة تفوق ما تحظى به كل وسائل النقل الأخرى بما فيها الطائرات.
أهم ما يلفت نظرك في هذا النوع من سيارات نقل الركاب، ذلك المايكرفون الخارجي الكبير الذي تنطلق منه الأغاني والموسيقى الصاخبة كصافرة القطار، وبموجبه كان الناس يتعرفون على وصول الكاشمالي قبل أن يدخل المدينة يتهادى وهو أعلى المرتفعات، فيما كان سكان القرى التي يمر عليها يهرولون إلى الطريق العام ما أن يسمعوا الموسيقى لعلهم يجدون ما يحملونه من وصايا وهدايا وفرص عمل، كما أن البعض يرصدونه في كل الطرقات التي يمر بها وينتظرون قدومه الميمون، إذ أنه يأتي بالبضائع والسلع والأغراض التي توفر لهم قرصًا للاتجار فيها، كما يوفر فرص عمل للحمالين.
موسيقي متحركة
يبدو الكاشمالى وكأنه استديو إذاعي متحرك لما يبث من موسيقى عبر مكبرات الصوت المعلقة أعلاه، حتى أن كثيرا من الإثيوبيين كانوا يتعرفون على الأغاني الجديدة من خلالها، ويالتالي فإن الكشمالي يعمل أيضًا كناشر للأغاني الجديدة ولا يمكن أن تتوقف الموسيقى مادام البص متحركا، ورغم المسافات الطويلة التي كان يقطعها إلا أن إيقاف الموسيقى ولو للحظة عابرة كان يواجه باحتجاج كبير من الركاب، ولهذا تجد السائق ومساعدة يحرصان على اقتناء أحدث الكاسيتات التي تضم الأغاني الجديدة والقديمة، فكان هذا البص يعمل على الترويج لها.
محاورات خاصة
داخل البص لا يمكن أن يكون الجميع صامتين بل هناك تعارف وحلقات نقاش وسمر وأنس ما بين الثقافات والتاريخ والتعريف بإرث القبائل الإثيوبية وكان أجمل ما كتب من قصص اقتبس مما يدور داخل رحلات الكاشمالي فيقول أحدهم: كنت أستفيد كثيرا من المعلومات التي أجدها داخل هذه البصات ومن تلك الحوارات والنقاشات التي كنت أستمع إليها وأشارك فيها أثناء سفري المتكرر، كان الكاشمالي مدرسة وكتابا مفتوحا للتعرف على الآخرين خاصة وأن بعض السفريات كانت تستمر يومين كاملين، وهذا ما يمنحك وقتًا كبيرًا للاستماع إلى الحكايات والقصص والتعرف على الأحداث التي تدور في المناطق البعيدة والقريبة كما تتيح لك الفرصة للتعرف على أشخاص نادرين، خاصة كبار السن الذين يلعبون دورا مهما في هذه السيارات ويؤدون دور الحكواتية بامتياز.
مواصلة نشاط
ظل الكاشمالي يقدم كل تلك الخدمات الجليلة لمواطني إثيوبيا، لذلك كانت هنالك خشية كبيرة من إحالته للتقاعد واختفائه عقب تعبيد ورصف الطرق ودخول السيارات الحديثة والسريعة إلى الخدمة، ولكن ولأن الكاشمالي يتمتع بالقوة والقدرة على العمل في الطرق الوعرة استطاع الاستمرار والمنافسة، خاصة وأن قيمة تذكرته أقل من البصات الحديثة، وبذلك تمكن من فرض وجوده مرة أخرى، كما أن البعض يفضلونه في النقل والترحيل داخل المدن لموظفي المؤسسات.
وإلى ذلك، لا يزال الكاشمالي يمثل معلما بارزا في الحياة اليومية الإثيوبية حتى أنه كان الحل الحاسم لأزمة المواصلات التي عانت منها العاصمة أديس أبابا في فترة ما، إذ تبلغ سعته ما بين 50 إلى 70 شخصا مما ساعد لى حل أزمة المواصلات في العاصمة الإثيوبية، وهكذا يظل يستدعى إلى أي بلدة أو مدينة تمر بأزمة مواصلات، فيكون الحل الناجع لها، كما أنه يعتبر من رموز الحياة اليومية التي صمدت في إثيوبيا فلا يزال يعمل بقوة في كل الأماكن والطرقات يقدم بجانب وظيفته الرئيسة الكثير من الترفيه والتسلية ويعضد التلاقح والتواصل والحوار والتثاقف
الكاشمالي

أديس أبابا – أنور إبراهيم – اليوم التالي