عماد العالم : تجارة اسمها الرقية!
أولا وقبل أن أبدأ، أؤكد أن مقالتي هذه لا تناقش ما أنا مقبلٌ على طرحه من وجهة نظر دينية، فلست بمكان كي أتحدث عن ذلك، ولا أملك العلم الشرعي والبحث للتحدث فيه، وبيان صحته من عدمها، أما ما دعاني لطرحه فهو رغبة في أن “ندردش” سوية ونتحدث عما يُسمى المسّ، ولا أتكلم عن السحر وإنما تلبس الجن بالإنسان، وما ينتشر حوله من قصص وحكايات، حتى امتهن بعضنا كمسلمين مهنةً مجدية مادياً اسمها “القارئ”، يزعم البعض مقدرتهم علاج من يُعتقد أنهم غير طبيعيين، فأخذوه لأحدهم ذائع الصيت والمشهور عنه مقدرته في القراءة الشافية على كل من به مس أو عين كما يقولون.
ما يقرأه الراقي ليس من كلماته ولا حصرياً له، وإنما هي آيات وسور وأدعية مأثورة عن رسولنا الكريم، ورد فضلها بالنص في الرقية، وليست لزاما أن تقرأ من ذوي صلاح، وإنما بإمكان الإنسان نفسه أو من حوله أن يحصنوه بها، والنتيجة ستكون واحدة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، إن أراد الشفاء والعافية، الغريب أن بعض من اشتهروا بهذه الصنعة يدعون أنهم لا يأخذ عنها مقابلا، ولكن يقبل الهدية نظير ما يفعل، وعادة ما تكون مبلغا معينا يدفعه المعني أو أهله، وبهذا تنتفي مجانية العمل وكونه لوجه الله، ويتحول لتجارةٍ، يتحول ممتهنها فيها إلى متكسب محترف، يتوجب عليك قبل أن تحضر جلسته أن تسجل في قوائم الانتظار حتى يحين موعدك، الذي ربما لن يطول أكثر من نصف ساعة، ستخرج منه ربما موغلٌ بآلامك نتيجة الضرب أو النخز، وفي يدك اليمنى ماءٌ مقريٌ عليه، وفي الأخرى زيت لتدهن به جسدك، حتى تختفي الكدمات منه!
الموضوع أبسط مما نسمع ونرى من الكثير، وهو للعلم مجاني لنا من الخالق جلّ في علاه، فكل من أراد الاستطباب بالقرآن عليه أن يتوضأ مثلا ويحصن نفسه بنفسه، أو أن يطلب من المقربين منه أو منها (والحديث هنا عن الجنسين)، أن يفعلوا ذلك، أما النتيجة فتستلزم عدة أمورٍ؛ أولاها أن يؤمن الإنسان أن الله هو الشافي المعافي، وأنه بما يقرأ قد استفاد من إحدى الوسائل الدينية الممنوحة لنا كمسلمين، وأن يحسن الظن بالله ويتيقن الشفاء، أما ما بعد ذلك فـ “بيد الرحمن الرحيم وله الحكم العدل والمشيئة التي يجب أن نقبل بها حامدين شاكرين”.
النقطة المهمة إلى جانب ذلك، أن يؤخذ بالسبب، والمقصود به هنا الطب أو العلم الدنيوي الذي يجب أن يُستشار أيضاً ويؤخذ برأيه، وليس في ذلك تعلقٌ بعملٍ لعبد مقابل تجاهل إرادة خالقه، وإنما تحكيم للعقل الذي أُمرنا بتفعيله وتحكيمه، ولا ينفي أبداً العمل به مع قدم المساواة مع ما يرد في الشرع.
لدى كل منا قصص لا حصر لها، عما حدث لفلانة مثلاً حين أخذها أهلها لقارئ، ادعى أنها معيونة بسبب حالتها، فقد كانت انطوائية وشديدة الخجل والذعر، فحضرت أكثر من جلسة لكنها شعرت أن من يقوم برقيتها بدرت عنه تصرفات ولمسات غير بريئة لا يمكن أن يجزم بها سوى الشخص نفسه، هو وللحق قد يكون حالة معزولة وشاذة لكنها موجودة للأسف، وتمارس دناءتها وسعارها على المسكينات ممن أخفق ذووها بأخذها أولا لطبيب نفسي، أو أخصائي للعلاج السلوكي، الذي سيجد من أول جلسة معها أنها مصابة باكتئاب شديد، نتيجة سبب من الأسباب العضوية أو النفسية، وولو التزمت بالوصفة الممنوحة لحالتها لشفيت وعوفيت بإذن الله، واستقرت أمورها، ومن ثم عادت لتمارس حياتها الطبيعية.
العديد من الأعراض المنتشرة بين الناس التي يظنها البعض مساً من الجن أو عينا، هي مشاكل نفسية بحتة، لا أكثر ولا أقل، وتستوجب العلاج الدوائي أو السلوكي، وليس لها علاقة بالتخاريف الرائجة، ولا الوصفات السحرية التي تنصح بها إحداهن الأم أو الأب، فيسارع لتطبيقها على أبنائه فيفاقموا بجهلهم مشكلتهم الصحية بدلاً من علاجها!