هاشم كرار : توحيد السودانيين.. أولا
وحدة الإسلاميين في السودان، لن تعدل حال السودان المائل. حينما كانوا واحدا، انقلبوا على الديمقراطية بليل وكذبة ودبابة.. وحين كانوا واحدا، دخل السودان- لأول مرة في تاريخه- في عزلة دولية، ودخل عهد أكبر عملية عزل سياسي في تاريخه، وأكبر عمليات الاعتقالات والتعذيب الممنهج والتشريد من الخدمة العامة، وتصفية الخصوم.. ودخل لأول مرة عهد الحرب الدينية بين الشمال والجنوب، تلك الحرب التي انتهت باتفاقية تؤسس لوحدة جاذبة، ما كان أصلا ليمكن أن تُقوم ابدا مع كل مفاهيم الاستعلاء، وشرور الكراهية.
السودانيون، وهم يعيشون اليوم، انهيارا في الاقتصاد، وتراكما في الفساد، وضنكا بالتالي في المعايش، وفرارا بالجملة لمختلف الشرائح العمرية والمهنية والنوعية، لا تعنيهم وحدة الإسلاميين، بقدر ما بات يعنيهم إنقاذ ما تبقى من الوطن: ترابا، وبشرا، واقتصادا، وتقاليد كريمة، كانت راسخة، برغم اختلافات الأجناس، والألسنة، والثقافات، والأفكار، والمعتقدات، والمفاهيم، وخصومات السياسة.
إنقاذ السودان، لن يتم بوحدة الإسلاميين، ولا بوحدة الاتحاديين، ولا الشيوعيين، ولا حزب الأمة، وغير أولئك من الكيانات السياسية، تماما مثلما هو لم يتم في حالة شتات كل هذه الكيانات. هذا ما يقول به تاريخ ربع قرن، من الخصومات، والانقسامات، والمكايدات، والسياسات الفاشلة، والحروب، والفشل الذريع.
إنقاذ السودان، لن يتم إلا بوحدة كافة السودانيين، ووحدة كافة السودان، لن تتم إطلاقا إلا بإرادة سياسية حقيقية، وعلى أسس من نكران أي مكاسب ضيقة.. وعلى أسس برنامج وطني جامع، يسبقه مؤتمر دستوري لا يستنثني احدا، ويفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، ببرنامج واضح، لفترة زمنية محددة، تعقبها انتخابات حرة ونزيهة، يقول فيها الشعب كلمته الأخيرة، المعبرة عن إرادته الحقيقية، لا إرادة الدبابة، ولا إرادة المحاصصات والترضيات السياسية أو الجهوية!
لقد شهد السودان، في الفترة الماضية، حوارا بين النظام، ومعارضين، أفضى إلى مخرجات واضحة، ومن المهم للنظام أن يجسد هذه المخرجات على الأرض.. ومن المهم أيضا أن يمد يديه بالصدق كله إلى الذين قاطعوا الحوار، من باب أنه لا خصومة دائمة، في تمام الوقت الذي تلح فيه مصلحة الوطن العليا، على التصافي والتصالح، والسلام.
هل تراني قلتُ، إن حكم الوقت الآن هو لتوحيد السودان، أولا.. وتوحيد السودانيين؟