الصادق الرزيقي

على سطح صفيح ساخن

> تتسارع الأوضاع بشكل دراماتيكي في المنطقة العربية، وباتت على شفا مواجهة ذات سمات مذهبية في غالب الأمر، فحزب الله اللبناني الذي خرج من الحرب الطويلة مع العدو الصهيوني، وكان ضمن قوى المقاومة وظهر للعلن على أنه استطاع تحرير جنوب لبنان، وتغنى له العرب وملأ اسمه الآفاق يومئذ، بات اليوم أو كشفت الأيام، أنه منظمة إرهابية تسارع جامعة الدول العربية إلى تصنيفه ودمغه بالإرهاب.. وينقسم الصف العربي حياله ما بين متحفظٍ ومؤيد بشدة، باعتبار أن هذا الحزب لم يكُ سوى حصان طروادة لإيران.
> وكذلك اختلف العرب على مكان وموعد القمة العربية المقبلة التي كان من المفترض أن تستضيفها الرباط، فاعتذرت المملكة المغربية عنها بعذر واضح لا لبس فيه، بأن الأجواء العربية غير مناسبة ومواتية لعقد قمة ناجحة، وتجري مشاورات لاحتضان العاصمة الموريتانية نواكشوط لقمة الملوك والرؤساء والقادة العرب، ففي هذه الأجواء، يتم تمرير ترشيح الأمين العام الجديد للجامعة العربية وهو منصب استأثرت به مصر طوال تاريخ الجامعة سوى مرة واحدة عندما تولى الشاذلي القليبي المنصب عند انتقال مقر الجامعة إلى تونس عقب اتفاقية كامب ديفيد.
> هذه الخلافات العربية والتحولات السريعة، ومنها الأوضاع في العراق وسوريا واليمن وليبيا والحروب المشتعلة في هذه البلدان، تحتاج إلى تفاهم عربي كامل، وتوافق كبير حتى لا تنشأ مرة أخرى المحاور والتحالفات والاصطفافات داخل البيت العربي، ويلحظ المرء أن القادة العرب استشعروا من تجربة العراق وسوريا واليمن، الخطر الذي بات يمثله جارهم الشرقي، وهو إيران بمذهبها الذي تحاول نشره أو مشاعر الإيرانيين بانتماءاتهم التاريخية للحضارة الفارسية التي طغت عندهم على أي انتماء آخر.
> وخطر هذه التحولات الدراماتيكية الحادة في الوطن العربي، أن المشهد يتحول إلى نقيضه بسرعة البرق، فما كان مستوراً ومحجوباً عن الأنظار، بات مماطاً لثامه عن وجهه الحقيقي، والعداء الركامي القديم الذي ظننا أنه قد اختفى مذ تبلور التكوين الحديث في المنطقة عقب الحقبة الاستعمارية، عاد أكثر شراسة وعنفاً ولم يعد هناك احتمال له في جهات عربية عديدة، ونذر الحرب الشاملة التي تلوح في الأفق ليست مستبعدة وستنطلق ربما كنتيجة ردود للأفعال على حالة الصحو العربية بعد أن تكشف للشعوب أن هناك أحقاد ومؤامرات كانت وراء الأكمة.
> إذا كانت حالة التحالفات العربية قبل ثلاثين أو أربعين سنة، كانت تقوم على التوجهات السياسية والفكرية حيث كانت بعض الأنظمة الاشتراكية العربية مثل ليبيا والجزائر واليمن الجنوبي وسوريا تصطف مع بعضها ضد تكتلات عربية أخرى، ثم تلاشى ذلك الحلف مع نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي وعقب غزو صدام حسين للكويت، فإن اليوم تنشأ حقائق جديدة تجعل من الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع العربية، إذا انقسم العرب حول حاضرهم الراهن وتقدير مصالحهم الحقيقية من مؤشرات المستقبل القريب.
> هناك قوى كثيرة تتربص بالمنطقة العربية وتصطاد في مائها المعتكر، فالعدو الصهيوني ينظر ويتابع ويتمني نفسه أن يرى العرب قد سالت دماءهم وأحرقت الحروب ركائبهم وأعملوا سيوفهم في رقاب بعضهم البعض، وبقر كل منهم بطن أخيه ومزق أحشاءه ..!تحتاج هذه اللحظة التاريخية الفاصلة إلى جمع الصف بسرعة دون إبطاء، وإلى تفاهمات عربية فاعلة دون إرجاء، وهنا تظهر الحاجة إلى قيادة مبادرة تدرأ عن المنطقة خطر الانزلاق ء« قاع الهاوية. فألسنة النار التي تشتعل في سوريا بسبب نظامها وفي العراق بسبب التصنيف الطائفي والمذهبي واستهداف السنة، ووجود تنظيم داعش في هذين البلدين، وما يجري من الحوثيين في اليمن، والثورة التي أكلت أبناءها في ليبيا، والتدخلات الدولية الخارجية ووجود الأساطيل البحرية وأزيز الطائرات الهجومية في الأجواء العربية، تحتاج إلى يقظة وصحوة قبل أن نجد أن عالمنا العربي قد تم اجتياحه من كل مكان وتحول إلى رماد.
> ومع أن السودان في الموقف والموقع الصحيح، إلا أن عليه كغيره من الدول العربية التي تمتاز بالحكمة والتعقل، النظر في كيفية إعادة الالتئام للأمة مرة أخرى وتجنيبها ويلات السقوط في قعر الجمر الملتهب..