رأي ومقالات

عصام تليمة ..هل شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟


حازت قضية شهادة المرأة، وأنها نصف شهادة الرجل، نقاشاً كبيراً، وجدلاً لا ينتهي، ومحاولة للتبرير من الدعاة والمشايخ، وفي هذه المقالات وقفة مع هذه القضية، وهل هي نصف شهادة الرجل؟!

وهي قضية تثار بين الحين والآخر، وتثير حولها نقاشاً طويلًا لما يترتب عليها سواء على الجانب السياسي، أو الاجتماعي، أو الثقافي، أو الشرعي. وما تطرحه هذه القضية من تساؤلات تتطلب منا إعادة التفكير فيها بعيدا عن أي تجاذبات لهذا أو ذاك، للشرق أو الغرب.

فمثلاً عند الحديث عن مكانة المرأة، أو دورها السياسي، من حيث الإدلاء بصوتها، فهل سيعتمد صوتها على أنه نصف الرجل، فكيف سنحسب صوت النساء الناخبات لو كن ألف امرأة، فهل سيحسبن عند التصويت خمسمائة صوت؟ أم أنها تتساوى هنا مع الرجل، والإدلاء بالصوت الانتخابي يعتبره المشايخ شهادة، وعند تحفيز الناس للنزول للتصويت الانتخابي، يستشهدون بقوله تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) البقرة:283، وهي الآية التالية للآية التي تتحدث عن شهادة المرأة، ويستشهدون بقوله تعالى: (وأقيموا الشهادة لله) الطلاق:2، وذلك تحفيزا للناس للمشاركة في الإدلاء بالأصوات في الانتخابات، وقد اشترك في الإفتاء بهذا الرأي جل المشايخ، فكيف يتم التفرقة في الشهادة في المجال السياسي كالتصويت الانتخابي، فتكون الفتوى والحكم أن صوت المرأة هنا كصوت الرجل، وهو في نهاية الأمر شهادة، لا تقل خطورة عن الشهادة في عقد بيع أو شراء، أو شيك مالي، فالصوت الانتخابي يبنى عليه وضع القوانين في الدولة، بينما يحكم في المجالات الأخرى كالقضائية مثلاً بأن شهادتها نصف شهادة الرجل؟!

وكذلك من حيث ترشح المرأة للعمل السياسي، تطرح عدة نصوص شرعية للحد من دور المرأة السياسي، ويكون على رأسها النص الخاص بشهادة المرأة، وما يقال في المجال السياسي، نستطيع أن نقيس عليه في المجال القضائي، والاجتماعي، والثقافي، وهكذا.
وللأسف نجد المشايخ والعلماء يبررون الحكم، وأنه حكم عام في كل الحالات، بناء على تعليلات عقلية لا تستقيم مع مجمل النصوص الشرعية الواردة في الموضوع، فيذكر في علته: أن المرأة تنسى، أو تمر بمرحلة الدورة الشهرية، وأن ذلك يعكر عليها مزاجها، فنعمم مرحلة زمنية قصيرة في حياة المرأة بأمر عام، دون أن يقول العلم كلمة حاسمة في هذا الأمر وأثره فعليًّا وواقعيًّا على ذاكرة المرأة. كنت ألقي ورقة عن (شهادة المرأة) في مجلس الإفتاء الأوروبي، وانتهيت فيه إلى أنها ليست نصفاً بل كاملة، شارحاً ذلك بما سأنشره في هذه الحلقات، فاعترض أحد العلماء وقال لي: إن دماغ المرأة في تكوينه يختلف عن تكوين دماغ الرجل؛ ولذا تكون شهادتها نصف شهادة الرجل، فقلت له ولمن عارض بنفس منطقه: يا سادتي العلماء نحن هنا في القاعة أكثر من أربعين عالماً، هل لي أن أسألكم: من منكم يذكر مراحل تعليم أبنائه، وماذا فعل كل ابن منهم في هذا الفصل الدراسي، وكم حصل من الدرجات؟ أتحداكم إن علمتم تفاصيل أبنائكم التعليمية، ثم قلت: أرجو منكم أن تتصلوا الآن بزوجاتكم وتسألونهن، ستجدها تخبرك بالتفاصيل كاملة، عن كل ابن من أبنائك، في أي صف هو؟ وكل مادة كم حصل فيها على درجات؟ وربما تكون أعطته درساً خصوصيًّا في ذلك، ولم يكن دور سيادتك فقط سوى دفع المال، لأننا كرجال نهتم بالنتائج، وما يعنينا من الأبناء هو أنهم نجحوا، لكن الاهتمام بالتفاصيل من طبيعة المرأة، والتفاصيل تحتاج لتركيز.

إن أبرز النصوص وأهمها وأكثرها إشكالاً في قضية شهادة المرأة هي آية سورة البقرة، وذلك في معرض حديث القرآن الكريم عن كتابة الديون وتوثيقها، يقول تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) البقرة: 282. فهذا النص القرآني ورد في معرض الحديث عن الشهادة، ولكن هل هذه الآية فقط هي التي تحدثت عن شهادة المرأة، أم هناك نصوص أخرى قرآنية ونبوية تحدثت بوضوح عن شهادة المرأة؟ يقيناً هناك نصوص أخرى كثيرة تحدثت عن شهادة المرأة، والمفاجأة أنها لا تسير في اتجاه تنصيف شهادة المرأة، بل تسير بوضوح في اتجاه مساواتها بشهادة الرجل، وهو ما ننصح به دوماً في تناول القضايا الفقهية، ألَّا يعتمد الباحث على نص واحد في الأمر، ويظل يدور حوله ومعه، مغفلاً بقية النصوص التي تجعله ينظر نظرة كلية واضحة، وحتى هذا النص القرآني في سورة البقرة الذي يجعل شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، تدور حوله أسئلة مهمة، وهي: هل هذا النص عام أو خاص بحالة واحدة، وهل للظرف الاجتماعي العربي والزمني وقت نزول الآية علاقة بها؟ أم أنه يتكلم عن كل نساء الدنيا، في كل وقت وعصر؟ وهو ما يطرح سؤالاً أكبر: هل في الإسلام أحكام ارتبطت بظرف زمني، أم أن كل الأحكام لا تحدها الأزمنة والأمكنة؟

عند التأمل والدراسة المتأنية لقضية شهادة المرأة سنجد أنها لا تختلف عن قضية ميراثها، سنجدها في حالة وحيدة ذكرها القرآن وفق سياق معين تكون نصفاً، وفي بقية حالات الشهادة تتساوى مع الرجل تماماً، وفي حالات أخرى تقبل شهادة المرأة وترفض شهادة الرجل، وهو ما سأبينه في مقالاتنا القادمة إن شاء الله حول الموضوع.

شكر ودعاء: (كل التقدير والدعاء للمفكر الإسلامي الكبير أستاذنا الدكتور محمد عمارة، بخاصة ما كتبه في كتابه (التحرير الإسلامي للمرأة) عن شهادة المرأة، والذي كان هادياً وفاتحاً لي في تناول الموضوع).

huffpostarabi