الحكومة (مخيرة) في توزيع إعلاناتها.. (دم) الصحافة (يتوزع) بين المشاكل
عندما اشتد التضييق على الأمين العام للمؤتمر الشعبي الراحل د. حسن الترابي ومنعت السلطة الصحافة المحلية من نقل أخباره بدايات مفاصلة الإسلاميين أرسل مقولته الشهيرة (مسكينة الصحافة السودانية رهينة الإعلان).
يعكس قول د. الترابي عاليه الضغوط التي في مقدور الحكومة ممارستها على وسائل الإعلام من خلال التحكم في ضخ الإعلانات ذات الطابع الحكومي وذلك من دون إغفال أن الخطوة تؤشر للقطاع الخاص –هو الآخر- بتوجيه إعلانه التجاري نواحي صحف بعينها تجنباً لاصطدام مصالحه مع الحكومة التي تعتبر أكبر معلن في السوق السودانية.
وتعاني الصحافة السودانية من ضوائق مالية شديدة تهدد بعضاً من مقار السلطة الرابعة بالإغلاق، وذلك نتيجة تدني كلفة الإعلانات، وزادت الحكومة الصحف من الشعر بيتاً بإقرار وزير الإعلام د. أحمد بلال بأن الحكومة (مخيرة) في توزيع الإعلان الحكومي على الصحف أنّى شاءت، أضف إلى ذلك سلسلة طويلة من المتاعب المتصلة بصناعة الصحف تشمل انخفاض نسبة عوائد التوزيع لعدة مسببات بعضها ناتج عن أطراف تتداخل في العملية الصحفية، وتنامي هجرة الأقلام، ومع تدني الأجور الصحفية فإن موارد الوراقين بالكاد تغطي منصرفات التسيير اليومي للعملية الصحفية.
وتتواتر حالياً أنباء مزعجة عن صدور ضوابط لتوزيع الإعلان الحكومي وفقاً لمعايير البعد والقرب من الحكومة، وبحسب التصنيف فإنه جرى تقسيم الصحف إلى مستويات ثلاثة: صحف الدرجة الأولى والثانية لها حظ في الإعلان الحكومي أما صحف المستوى الثالث فلا تحصل على أي شيء، ويأتي هذا التصنيف في وقت تعاني فيه المؤسسات الصحافية السودانية من أزمة مالية خانقة كغيرها من مثيلاتها في العالم، وتزيد الوطأة على السلطة الرابعة المحلية من جراء الضغوط السياسية، وهو ما يولد أسئلة عن التأثيرات المحتملة لهكذا قرار، وهل من مخرج من ذلك كله.
اعتراضات قوية
ينبه عميد الصحافة السودانية الأستاذ محجوب محمد صالح، إلى أن المال المستخدم في الإعلان الحكومي يعد مالاً عاماً يستدعي أن تتعاطى الحكومة معه بشفافية تامة ووفق اشتراطات وقواعد مهنية في اختيار الجهة التي تنشر الإعلان كأن تعتمد نسبة التوزيع والانتشار.
وقال الأستاذ محجوب في حديثه مع “الصيحة” إن العدالة والإنصاف يقتضيان عدم توزيع الإعلان الحكومي بناء على المحتوى المنشور وتصنيف الصحف بين مؤيد ومعارض، وزاد: المبدأ أن هناك حكومة ذات سلطة، ومعروف أن الإعلام ينتقد الحكومة ويقومها ويبصرها، وبالتالي في حال تطبيق قاعدة القرب والبعد في التعامل فإن على من يريد إعلان الحكومة تجنب انتقادها وتوجيهها، مؤكداً أن ذلك الأمر غير مقبول وغير ديمقراطي.
ويلفت عميد الصحافة إلى أن اتجاه الحكومة التي تعد أكبر معلن في السوق في توزيع الإعلان قد يفهم منه نزعة لشراء الذمم السياسية، وقال إن ذلك الأمر لا يحدث في أي بلد فيه أقل قواعد الديمقراطية .
ونفى محجوب أن يكون القرار مفاجئاً حال تم تطبيقه لجهة أن صحيفة الأيام التي يرأس تحريرها محرومة من الإعلان منذ عودتها وقليل الإعلان الذي يصلها يأتي من جهات لا تخضع لخط الحكومة المباشر، وأضاف أن ما صرح به وزير الإعلام يفرض على اتحاد الصحافيين اتخاذ موقف قوي ومعلن بحسبانه يفتح الباب لشراء الذمم السياسية للصحفيين، وقال: لا أحد يقبل ذلك.
نفى رئيس مجلس الصحافة السابق والخبير الإعلامي بروفيسور علي شمو أن يكون في مقدور الصحافة العيش والبقاء دون إعلان، لجهة أن الإعلان يشكل العمود الفقري لاقتصاد الصحف.
ويؤشر شمو إلى أن تكلفة طباعة وتسيير الصحف أكبر من السعر الذي تباع به النسخ الورقية للقراء، وذّكر بأن المعلن هو من يدفع نيابة عن القارئ، وأن مدخلات الإعلام تأتي من الإعلان، وهذا أمر يشمل كل وسائل الإعلام الجماهيرية من صحف وراديو وتلفزيون (حد شمو).
وعن قراءته لمستقبل الصحافة في السودان، يقول الخبير علي شمو إن الصحافة الورقية عموماً في العالم تواجه مشاكل كبيرة، وبات الإعلان على صفحاتها قليلاً جداً، حيث تحول القراء والمعلنون كذلك نواحي الوسائط الإعلامية الجديدة، ما أورث الصحافة الورقية أزمات وتدهوراً مستمراً، وشدد على أن ذلك يبين بوضوح في السوق الإعلامية السودانية.
وخالف شمو الشائع عن كون الحكومة تعتبر أكبر معلن مشيراً إلى أن إعلانات القطاع الخاص تعادل 70% من نسبة الإعلان الكلي، وقال: خذ صحيفتكم “الصيحة” كنموذج لذلك. وأردف: المشكلة حالياً أن الصحافة الورقية في كل العالم تعاني من عدم الإقبال عليها مع ظهور مواعين إعلامية جديدة تواكب العصر وسرعته.
الخرطوم – الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة