“مُرحّب به أم لا؟” على مدار 7 سنوات هجر أمبيكي توصية المحاكم الهجين وأعيته الوثيقة النيفاشية ولم تسعفه بروتوكولات سبتمبر.. لكن الرجل لا يزال يقاتل لإعادة تعريف “الوصاية” في قاموس الحوار الوطني
على مدار 7 سنوات تفرغ أمبيكي للشأن السوداني لكن تفرغه لم يثمر لا قمحاً ولا وعدًا، وهو الذي هجر توصية “المحاكم الهجين” إلى الوثيقة النيفاشية التي أعيته ولم يفلح في معالجة تداعياتها بالوثيقة السبتمبرية بين الخرطوم وخصيمتها جوبا اللتين تركهما الرجل ليفض اشتباك قطاع الشمال، وعندما عز عليه الأمر انخرط في الحوار الوطني بتسميات وعناوين عدة دون أن يكون مرحبا به في أي منها.
فبراير 2009
كان أول عهد رئيس جنوب أفريقيا السابق بالشأن السوداني في فبراير 2009 عندما شكل الاتحاد الأفريقي لجنة برئاسة الرجل لدراسة الأزمة الدارفورية وتقديم توصيات لحلها، وبالفعل قدم أمبيكي توصياته وعلى رأسها “المحاكم الهجين” في أكتوبر من نفس العام، حيث أجازها مجلس السلم الأفريقي، وكون لجنة عليا لإنفاذها برئاسته أيضا، مع توسيع تفويضه ليشمل أيضاً المساعدة في إنفاذ اتفاقية نيفاشا.
ولأن الحكومة لم تكن راضية عن توصيات الأفارقة حيال دارفور، ولأن الضغط الدولي عليها وقتها تحرك من الأزمة الدارفورية إلى ترتيب انفصال سلس لجنوب السودان، ترك أمبيكي الإقليم المضطرب وعدالته مركزاً جهوده على الوثيقة النيفاشية لا سيما مع الخلافات الحادة التي طرأت بينه والوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لدارفور وقتها جبريل باسولي.
يوليو 2011
لكن عندما عزف الجنوبيون نشيداً وطنياً منفصلاً غداة التاسع من يوليو ،2011 لم يكن أمبيكي قد فعل أي شيء حيال القضايا الخلافية المترتبة على تقسيم البلاد بدءًا من العملة وليس انتهاءً بالحدود غير المرسمة.
مايو 2012
في مايو 2012 بعدما احتل الجيش الشعبي منطقة هجليج لم يجد مجلس الأمن الدولي غير أمبيكي ليفوضه بموجب القرار 2046 لتسوية النزاع بين الجارتين علاوة على نزاع الخرطوم مع قطاع الشمال بسبب الاشتباك العضوي بين النزاعين.
سبتمبر 2012
بعد مشقة نجح الرجل في حمل الدولتين، الأم والوليدة، على توقيع بروتوكول التعاون في سبتمبر 2012 والذي تأخر تنفيذه لنحو 5 أشهر بسبب خلاف الطرفين حول تفسير بعض البنود الواردة في الاتفاق الأمني الذي رهنت الخرطوم تنفيذه بتنفيذ بقية الاتفاقيات التسع الواردة في البروتوكول والتي لم يكن من بينها اتفاق يعالج النزاع الحدودي رغم كونه مصدر الأزمات ومنتهاها.
بعد لأي نجح أمبيكي في اقناع الخرطوم بالسماح بعبور النفط الجنوبي المصدّر بعد معالجات للاتفاق الأمني لا شئ يدلل على عدم جدواها مثل أن البلدين لا يزالان يتبادلان الاتهامات بخرقه.
بعيد تصدير أول شحنة من النفط الجنوبي نسي الوسيط الأفريقي أو تناسى وثيقة سبتمبر وتفرغ للشق الثاني من تفويضه الأممي وهو تسوية النزاع بين الخرطوم وقطاع الشمال لم تفلح 10 جولات في تحديد أجندة المباحثات ناهيك عن التوافق حيالها.
يناير 2014
كانت مفاوضات الحكومة مع قطاع الشمال تنهار جولة تلو أخرى لسبب وحيد هو تمسك الحركة بـ”الحل الشامل” لذا وجد حكيم أفريقيا ضالته في مبادرة الحوار الوطني التي طرحها الرئيس البشير مطلع العام 2014 لكن كانت أولى عثراته عندما زجرته الحكومة وهي تذكره أن المبادرة سودانية خالصة لا مجال فيها للوصاية.
سبتمبر 2014
لكن لم يعدم الرجل الحيلة وهو يستصدر من الاتحاد الأفريقي في أغسطس الماضي تفويضاً من الاتحاد الأفريقي لـ”المساعدة في إنجاح الحوار الوطني” أهله لجمع الحكومة مع نفر من خصومها في سبتمبر 2014 للتوقيع على ما سمي “خارطة طريق”.
لكن ظلت خارطة الرجل المقتبسة إلى حد ما من مداولات “الكوديسا” عصية على التطبيق وطرفاها، خصوصاً الحزب الحاكم، يفسرها بغير ما يفسرها خصومه وكذلك الوسيط وتجلى الأمر أكثر ما تجلى عندما قاطعت الحكومة الاجتماع التحضيري الذي كان مقررا له مارس الماضي وذهبت لتنظم انتخاباتها واكتساحها بمعزل عن غالبية خصومها بمن فيهم المؤتمر الشعبي الذي قبل دعوتها للحوار.
أغسطس 2015
عندما تراءى لأمبيكي أن الحكومة تجاهلت وتتجاهل مقترحاته، رتب في أغسطس الماضي اجتماعاً لزعماء المعارضة، بشقيها المدني والمسلح، مع مسؤولين كبار في مجلس السلم الأفريقي، امتعضت منه الحكومة وازداد امتعاضها عندما أصدر ذات المجلس بعد يوم من اجتماعه مع قادة المعارضة قراره 539 الذي لم تفرح المعارضة لقرار أفريقي كما فرحت منه.
الـ 90 يوماً التالية
منح القرار الوسيط 90 يومًا لرفع تقرير للمجلس الأفريقي يبين مدى “جدية” انخراط الأطراف الرئيسية في حوار شامل وهو ما تعاطت معه المعارضة على أنه “مهلة” للحزب الحاكم أكثر من كونها مهلة للوسيط.
انقرضت الـ 90 يوماً وانقرضت أيضًا مثلها من الأيام دون أن يقنع الرجل الحزب الحاكم بالمشاركة في الاجتماع التحضيري الذي كلفه القرار 539 بعقده ودون أن تثمر بدعة الاجتماعات غير الرسمية التي لم تكن سوى تحايل على تناقص الأيام الـ 90 من أطرافها مثلها مثل “اللقاء التشاوري الاستراتيجي” الذي يمقته الحزب الحاكم لأنه ليس سوى رديف لغوي لـ” الاجتماع التحضيري”.
اليوم
والحال كذلك ينتظر أن يكون الرجل قد وصل الخرطوم فجر اليوم ليلتقي الرئيس البشير الذي لم يفوت مناسبة في الأشهر المنصرمة إلا وشدد فيها على “سودانية” الحوار الأمر الذي يصعب مهمة الوسيط الأفريقي ويجعله يستحضر 10 أيام من أغسطس أنفقها من قبل متجولاً في دواوين الخرطوم دون أن يفلح في مقابلة الرئيس المتذمر مما يراه “وصاية”.
محمد الخاتم
صحيفة اليوم التالي