حسين خوجلي

حكايات.. هذا تعليقي.. فما تعليقك عزيزي القارئ؟


> من اللطائف التي حكاها لي الأستاذ أحمد سليمان المحامي حين عينه جعفر نميري سفيراً للسودان بلندن قال عندما دخلت عليه قال لي (تعرف يا أبو سولمون والله أنت تستاهل أي منصب وأنت عارف سفارتنا في لندن دي مهمة وخطيرة وأنا بثق فيك لكن جوة قلبك ما زلت شيوعياً)
ضحك أحمد سليمان وحكى لجعفر نميري حكاية
(تعرف يا سعادتو مرة الخليفة المنصور العباسي عين ليهو وزير جديد كان مع الأمويين وقال لهو والله يا هذا إني لا أشك في خلقك ودرايتك بيد أنك أفرطت في وفائك لبني أمية، قال الوزير: يا أمير المؤمنين (إنه من وفّى لمن لا يرجى.. كان لمن يرجئ أوفى)
فضحك نميري وأفرط حتى دخلت علينا السكرتاريا.
> وكتبتها في إجندة أمامه ووقع على خطاب تعييني .. إن الذي لم يتأنس مع أحمد سليمان لا يعرف الامتاع ولا المؤانسة.. أما أنس جعفر نميري فيسأل عنه اللواء عوض أحمد خليفة (والأمر واضح).
> لا أدري لماذا أعدت قراءة سيرة أبو مسلم الخراساني القائم بالدعوى العباسية الرجل الذي قادهم للانتصار الكبير على بني أمية وقد قتله المنصور وهو لم يتجاوز السابعة والثلاثين عاماً.. وأكثر ما استوقفني في سيرته أنه كان قائد جيشه وكان أمير مخابراته فما كان يثق في أحد يجمع له المعلومة فقد كان على جلال قدره مطلب الأمويين له يدخل دمشق متنكراً وينال معلوماته ويخرج وكان شاعراً مجيداً وقد قال عن كتمان سره وحزمه معترفاً
إدركت بالحزم والكتمان ما عجزت
عنه ملوك بني مروان إذ جهدوا
مازلت أسعى عليهم في ديارهم
والقوم في غفلة بالتئام قد رقدوا
حتى ضربتهم بالسيف فانتبهوا
من نومة لم ينمها قبلهم أحد
ومن رعى غنماً في أرض مسبعة
ونام عنها تولى رعيها الأسد
> عزيزي المغدور أبو مسلم الخراساني مازالت الشام كما تركتها غنم في أرض مسبعة نام عنها الراعي وتولى رعيها (الأسد)!!!
> قلت لأحد القضاة إن المدخل الأوحد للقضاء العادل هو في التحري الذكي والذكاء في التضييق على المجرمين وإقامة الحجة عليهم وقصصت له حكاية تنم على ذكاء المنصور أما أنتم مطالبون أن تجعلوا من ذكائه مؤسسة وبوليس سري لا يغيب عنه شيء فقد قال الشاهد
> وحكي أن المنصور جلس يوماً في موضع مرتفع في قصره، فرأى رجلاً تبدو عليه مظاهر الحزن والغم، يسير في الطرقات على غير هدى، فأرسل إليه من آتاه به، فسأله عن حاله، فأخبره الرجل أنه خرج في تجارة، فربح أموالاً طائلة وعاد إلى منزله، فسلم ما ربحه إلى زوجته، وبعد أيام أخبرته أن المال قد سرق من بيتها دون أن يحدث ثقب في الجدران، أو كسر في الأبواب. فقال له المنصور: منذ كم تزوجتها؟ قال: منذ سنة. قال: أفبكر تزوجتها؟ قال: لا، قال: أفلها ولد من سواك؟ قال: لا، قال: فشابة هي أم مسنة؟ قال: بل حديثة.
فدعا المنصور بقارورة طيب كان يتخذ له، حاد الرائحة، غريب النوع، فدفعها إليه وقال له: تطيب من هذا الطيب فإنه يذهب همك.
> فلما خرج الرجل من عند المنصور، قال المنصور لأربعة من ثقاته: ليقعد على كل باب من أبواب المدينة واحد منكم. فمن مر بكم فشممتم منه رائحة هذا الطيب- وأشممهم منه- فليأتني به.
> وخرج الرجل بالطيب فدفعه إلى امرأته وقال لها: وهبه لي أمير المؤمنين، فلما شمته بعثت إلى رجل كانت تحبه – وقد كانت دفعت المال إليه- فقالت له: تطيب من هذا الطيب فإن أمير المؤمنين وهبه لزوجي. فتطيب منه الرجل ومر مجتازاً ببعض أبواب المدينة، فشم الموكل بالباب رائحة الطيب منه، فأخذه فأتي به المنصور. فقال له المنصور: من أين جئت بهذا الطيب، فإن رائحته غريبة معجبة؟ قال: اشتريته. قال: أخبرنا ممن اشتريته؟ فتلجلج الرجل وخلط كلامه، فدعا المنصور صاحب الشرطة، فقال له: خذ هذا الرجل إليك، فإن احضر كذا وكذا من الدنانير، فدعه يذهب إلى حيث شاء، وإن امتنع فاضربه ألف سوط.
فلما خرجا من عنده دعا صاحب الشرطة فقال له: هول عليه وجرده، ولا تقدمن على ضربه حتى يتراجعني، فخرج صاحب الشرطة، فلما جرده وسجنه اعترف بالدنانير واحضرها بهيئتها، فأعلم المنصور بذلك, فدعا صاحب المال وقال له: هل تقبل إذا رددت عليك أموالك أن تحكمني في امرأتك؟ قال: نعم. قال: فهذا مالك، وقد حكمت بطلاق زوجتك منك, وقص عليه القصة من أولها.
> قرأ أحد الأصدقاء تحريات المنصور فقال ضاحكاً ولكنه في هذا الزمان لا يفيد لأن العطر ما عاد له إفتضاح وإن ظلت فيه بقية فقد أفسدت عوادم السيارات الأنوف وشوشت قفة الملاح على الانتباه والتركيز والفراسة.

حسين خوجلي – (ولألوان كلمة – صحيفة ألوان)