حصة الحمود الصباح : الروح.. والنفس
يغلب على كثير من الناس الخلط بين مفهومي الروح والنفس، حيث يعتقد العوام أنهما كيان معنوي واحد، وهذا غير صحيح.
ولعل سائلا يسأل: ما أهمية أن نعرف الفارق بينهما؟! وللإجابة عن هذا السؤال، ينبغي أن نعرف الفارق ونستوعبه جيدا في مداركنا، لتتضح لنا الإجابة عن هذا السؤال المهم جدا، وهي حتماً إجابة تجعل كل واحد منا يعلم حدود نفسه، وأين يقف منها، في محاولة لفهم طبيعة سلوكياته ومصدرها، ومن ثم كيفية ارتقاء درجات التزكية والحكمة، والنقاء الإنساني، وهي، بلا شك، ضرورات ملحة لحياة نحاول أن نرتقي بها في عالمنا الدنيوي، وننجو بمعرفتها في عالمنا الأخروي.
النفس هي محرك الحياة في جميع الكائنات الحية، من صفات بيولوجية، وخصائص، وتفاعلات فسيولوجية، وغرائز نفسية، ويتميز فيها الإنسان بالتفكير والإدراك والقدرة على التحكم في بعضها، لذلك يمكن أن نقول إن النفس البشرية عبارة عن عوالم وبرازخ تتقاطع مع بعضها بعضاً، وتتأثر أحياناً بالزمان والمكان، والتأثير البيئي والجغرافي والثقافي، وهي التي يتوفاها الله حين موتها، ويتوقف على وفاتها كل ما يرتبط بها مما سبق ذكره.
فالنفس عند الإنسان، وفقاً للمنظور الإلهي، هي الباعث والمحرك الداخلي للأفعال والسلوكيات، وهي التي ألهمها الله “فجورها وتقواها”، ليمتحن بذلك ابن آدم، الذي عليه أن يجاهد نفسه ليستخلص معاني التقوى من الفجور، وذلك ما أوضحناه من قبل في ضرورة أن نرتقي بهذا الجهاد إلى درجات التزكية والحكمة.
ولمزيد من الإيضاح والتبيان لمفهوم النفس من منظور قرآني، نستدل بقول الله تعالى مخاطبا الإنسان “لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ”، فمصدر الخير دائما من الله، والشر من الإنسان، فقط كل حسب جهاده واجتهاده.
أما الروح، فهي من أمر الله في البدء، تقديساً وتشريفاً وتكريماً، ويختلف معناها وفق السياق، فمثلاً نفخة الروح من أمر الله في ابن آدم، نفهم منها الانتساب التشريفي للإنسان إلى خالقه، في إطار ما هو مكلف به من عبادة لله واستخلاف في الأرض، وتحقيق مفهوم الكيان الإنساني الجوهري، وكذلك يقصد بها ما يوحي به الله من أمره إلى رسله، بواسطة الروح (الأمين جبريل عليه السلام)، وهكذا نجد أن مفهوم الروح يبدو لنا، مختلفا من موضع لآخر، ولكن المصدر واحد، وهو أنها من أمر الله، وحقيقتها في علمه.
وعلى ذلك، يمكن أن نفهم أن الإنسان ينبغي عليه أن يسلك إلى ربه وهو يجاهد نفسه بالتقوى، حتى يرتقي ويقترب من مفهوم الانتساب التشريفي، الذي كان في البدء نفخة من روح الله، وأمرا بسجود الملائكة، تكريماً وتشريفاً لآدم وذريته.
فمن يبتعد عن هذا الانتساب التشريفي بفجور نفسه، فهو يسلك سبيل إبليس، ويتبعه في رفض هذا التشريف والتكريم، فالجهاد ليس جهاد السيف أو الطلب، كما يفهمه البعض، مع الأسف، وهو العدوان المنهي عنه في كتاب الله، ولكن الجهاد الحقيقي هو جهاد النفس، وطلب الحكمة والرضا والشكر.
وكما يقولون في الأثر، إن اللص عندما يسرق منزلا يُطفئ أنواره، فكذلك الشيطان يطفئ نور النفس ليسرق فضائلها بتزيينه سوء العمل لها، لذا علينا أن نحافظ على تواضع أنفسنا، ليشتعل القلب بضياء المحبة، ويتزين الإيمان فيه بأنوار الروح، طلباً لرضا خالقها جل وعلا.
نسأل الله لنا جميعاً أن يُنير قلوبنا بذكره وشكره، ونسأله العون والاستقامة على نهج الصالحين من عباده.. آمين.
(حصة الحمود الصباح – صحيفة الكويتية)