عبد المنعم مختار : الكسرة وعلاقتها بالابداع
٭ كيمياء غريبة تجمع ما بين «الكسرة بي موية» والإبداع والشاهد أنني عندما اتصلت على الشاعر القدال أجابني بأنه «قاعد يفطر» وبفخر واضح ذكر أنه ياكل «كسرة بي موية».. وأذكر أيضاً الشاعر محجوب شريف ضبطته متلبساً بممارسة أكل «الكسرة بي موية» وهو مزهو ويتدفق الشموخ من بين عينيه..
فاكتشفت ساعتها أن هنالك سراً دفيناً داخل هذه الوجبة الشهية التي تمتزج فايتميناتها مع ذرتين من الاوكسجين وذرة من الهايدروجين دون أن ندخل في ورشتة «لا بتغلط عليك ولا بتوسخ إيديك».
ونخاف أن يتهافت أنصاف الشعراء على هذه الوجبة الشعبية طمعاً باللحاق بالشعراء أصحاب النفس «الطااااعم» أمثال القدال ومحجوب شريف.. وذلك ما يصب في جدلية العلاقة بين المعاناة والإبداع.
شكسبير يقال إنه يقتات الخبز الجاف مع الجبنة القديمة قبل اطلاق منظومته الأدبية الفلسفية وهمنجواي كان ينام «بايت القوى» ويتلوى من ألم الجوع قبل أن يلتهم المترفون سندوتشات أفكاره الأدبية الطازجة..
وبتهوفن كان يستشف موسيقاه من حالات الشظف وتدمع عيناه عندما تلتقط منظر طفل بائس بين الأرصفة تداعب يداه بقايا طعام القمامة.
لذلك أقول ألا يحق لنا أن نحتفي بهذه الوجبة الشعبية العتيقة لأنها زودت الشاعر القدال ومحجوب شريف بسر التميز.. وعشم «الفتريتة»..
٭ كان يهوى حل الكلمات المتقاطعة لأن الفراغ القاتل كان يحرض عقله الصغير على الاستزادة.. ولكنه في الآخر بدأ يصنعه عندما حاصرته المشغوليات والزمن اللاهث بالانتباهة فبدأ يقتطع جزءاً من عمله ليثبت أن تقاطع الكلمات ليس مجرد إدمان.
٭ النجمة سيرينا ويليامز.. وضعت «فخاً» معتبراً لرواد لعبة التنس بأن اللبس القصير مبرر منطقي لا يبطل المشاهدة.. ودعوة لاقتناء نظارة حتى «نفرق» ما بين الإثارة وارتفاع النقاط..
٭ مازالت الدهشة تملأ جوانحي.. وكلمات مبتسرة هجين بين العربية والإنجليزية تحتل مواقع «النت» حيث يقبع الفيسبوك والواتساب والتويتر.. فتجد كلمات مثل البوسترات واللايكات.. والكومنت.. وحتى استخدام الشات.. يأتي بكلام مركب على طريقة «القطر قام».. يكفر بالمبادئ الإملائية والنحوية وفي التويتر تبدو كلمة «التغريدة» هي الشائعة من خلال الرسائل المتداولة وهي بمثابة مصطلح رومانسي «للرسالة» في عرفهم الالكتروني».
ولكن أكثر ما استفزني في هذه الطفرة العجيبة هي «تمرير» ثقافة «المساطيل» بنوع من الاحتفاء.. وابراز صاحب هذه الطرائف الخارجة من القاع والهامش كأنه بطل اسطوري من خلال التهافت الأرعن على هذه المواقع.. وهنالك مواقع باسم «جنة المسطول» .. «وحارة المجانين» و«حلة المساطيل» .. و«نادي البنقو» وغيرها من المواقع والتي عندما تحاول الدخول إليها تتلفت يمنة ويسرة.. حتى لا يضبطك أحدهم متلبساً بممارسة الدخول إلى عالم المخدرات..
٭ المواسير الضاربة حولت معظم شوارع الخرطوم الخافية إلى بركة عائمة.. تسبح فيها الاكياس والأوراق القديمة.. وولاية الخرطوم تتفرج على «بروفة» الملاريا كأن الامر لا يعنيها وببساطة يمكن أن يكتب الدكتور ان اسباب الملاريا.. البعوض .. والارهاق وولاية الخرطوم .
٭ الطائرات التي «تسقط» جعلتنا نضع الخوف «خودة» على الرؤوس .. ونبكي بألم على المأساة دون إبراز التفاصيل..