محمد لطيف : نيفاشا 2.. أو الحُلم المفضي إلى اليأس
رغم أن (الدانة الأولى في الحرب الجديدة قد أطلقتها الحركة الشعبية في تمام الساعة السادسة مساءً من اليوم السادس للشهر السادس من العام 2011 تجاه حامية كادوقلي حيث مقر الكتيبة (309)، وتوالى القصف بعدها تجاه المدينة مستهدفاً (112) موقعاً شملت كل المواقع العسكرية والشرطية والأمنية ومنازل الدستوريين والقيادات من المؤتمر الوطني والقوى السياسية والقيادات الأهلية، وامتد القصف ليشمل سائر أحياء المدينة مصحوباً بزخات الرشاشات الخفيفة والمتوسطة وبنادق القناصة).. كما أورد أحمد هارون لاحقا في مذكراته عن (الكتمة) إلا أن السيد مالك عقار كما تفيد زوجته.. لاحقا أيضا.. قد صمد لمدة ثلاثة أشهر بالتمام والكمال.. السابع من سبتمبر 2011.. أمام وتحت ضغوط مهولة جاءته من جهتين.. أولاهما من قيادة الحركة من جبال النوبة وفي المركز بضرورة فض الشراكة واللحاق بالثورة الجديدة التي اندلعت في الجبال.. حسب تصورهم طبعا.. والثانية من جانب شركائه أيضا بالتضييق والتعريض كما أفاد هو لاحقا مؤكدا أن الموقف قد فرض عليه فرضا.. وكان مؤملا حتى العاشر من سبتمبر.. أي بعد أربعة أيام من خروجه.. أن يتراجع عقار ويعود إلى الدمازين.. بعد مفاوضات غير مباشرة بينه والنائب الأول لرئيس الجمهورية آنذاك على عثمان محمد طه الذي تعهد بتوفير طائرة تقل كل مراسلي الفضائيات إلى حيث يقيم عقار ليعلن إدانته لما حدث في الدمازين ويؤكد إلتزامه بالشرعية ثم ترتب عودته إلى عاصمته ومنصبه.. وفيما كانت بعض الخرطوم تنتظر.. وبعضها الآخر يزمجر لمجرد الفكرة.. لم يرجع الوسيط بما يفيد حتى الآن..!
إذاً.. خروج مالك عقار كان إيذانا بإعادة الاصطفاف من جديد.. كل ما تبقى من الحركة الشعبية بعد ذهاب الجنوب من جهة.. والحكومة من جهة.. جرت مياه كثيرة تحت الجسور.. جرب الناس الحرب.. وجربوا التفاوض.. عشر من الجولات.. ولا نتيجة.. والمشهد يتسيده انسداد الأفق.. حيث لا بصيص أمل يبشر على الأقل بإمكانية الانتقال إلى مربع جديد.. ناهيك عن الوصول إلى حل جذري للقضايا العالقة.. كما درجنا أن نسمي مشاكلنا تدليلا.. والوسيط لم يعد لديه ما يقدمه.. بل الواقع أن الوسيط ليس لديه ما يقدمه أصلا.. فالأطراف هي التي تقدم.. وأطرافنا متكلسة.. متيبسة.. متمترسة.. كل خلف موقف..!
والمراقب يلحظ دون جهد الآن.. أن ثمة موقفين.. يتباعد البون بينهما اتساعا وعمقا.. موقف يبحث عن.. أو يحلم بـ.. نيفاشا 2.. ولم لا؟ فنيفاشا 1 قدمت النموذج.. فارتفعت السقوفات التفاوضية.. هكذا تحلم الحركة بنيفاشا 2 تحقق لها مكاسب سياسية جمة.. حتى على حساب الآخرين.. وتحفظ لها جيشها سالما غانما.. حافظا للاتفاق.. وفي المقابل فالحكومة ترى أن أيسر من هذا خرط القتاد.. وهي.. أي الحكومة.. لا ترى في الأمر إلا إكمالا لما تبقى من نيفاشا 1.. وتعني تطبيق بروتوكول المنطقتين.. فقط لا غير.. بمعنى آخر.. أي من حيث بدأت الحرب.. وفي رأي كثير من المراقبين أن لقاء أديس أبابا الحالي لن يحقق أي اختراق حقيقي.. أو يحقق أية نتيجة إيجابية تجاه الحل السلمي لا لقضية المنطقتين ولا لقضية السودان.. ونتائج زيارة الوسيط الأخيرة إلى الخرطوم إن لم تعزز اليأس فهي لم تبشر بالحل..!
محمد لطيف – (تحليل سياسي – صحيفة اليوم التالي)