سمية سيد جادو : الخرطوم وجوبا.. دفن الرؤوس في الرمال
انتهاج سياسة دفن الرؤوس في الرمال مثل الوضع الأسوأ في علاقات السودان ودولة جنوب السودان منذ إعلان الانفصال وإلى يومنا هذا.
تتبسم الحكومتان في وجه بعضهما بعضا وهما تضمران خلاف ما تبطنان..علاقات غير مبنية على مصالح إستراتيجية للشعبين، يرتفع وينخفض تيرموميتر المصالح حسب المزاج السياسي ودرجة الاتهامات المتبادلة بإيواء المعارضين، فقد تجد الزيارات المتبادلة للقيادات السياسية والتأكيد على جذور العلاقات وصور الأيدي المتشابكة، وقبل أن تُمسح هذه الصورة من ذاكرة الناس، تتفاجأ بالاتهامات والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور.
بغض النظر عن هذا الوضع غير واضح المعالم، إلا أن حكومتنا أخطأت منذ قرار اختيار شعب الجنوب بتكوين دولتهم، وهو اختيار وجد كامل الرضا من الشعب السوداني الذي كان يأمل في الوحدة.. فالخطأ يكمن في ترتيبات الانفصال نفسها التي لم تضع الإجراءات التي تصنف أبناء دولة الجنوب كأجانب، ويتم التعامل معهم كأجانب، وأي أوضاع أخرى تكون استثناءً خاصة في حال تدفق اللاجئين الهاربين من جحيم الحرب، وهو أمر تنظمه مفوضية شؤون اللاجئين بالأمم المتحدة.. وهذا يجعلنا نقول إن معاملة السوريين الهاربين من جحيم بشار الأسد هم أيضاً لاجئون ويجب التعامل معهم بنفس الكيفية، ومسألة أنهم لا يحملون جوازات سفر يمكن حلها باستخراج وثائق من سفارات بلادهم بالخرطوم.
ليس من المنطق أن تعلن الحكومة مواطني دولة أخرى أنهم سودانيون، لهم نفس الحقوق والواجبات.. وكم نتطلع لأن يكون قرار مجلس الوزراء الأخير قراراً مدروساً ولا علاقة له بأجندة الصراع المحتدم في الجنوب أو حملة تأديبية، على خلفية تنسيق حكومة سلفا مع ياسر عرمان وتمويل الحركة الشعبية.. الخلاف بين الدولتين ظل قائماً حتى في ظروف تحسن العلاقات السياسية، حيث لم تُحسم أهم القضايا وعلى رأسها الحدود، خاصة أن حكومة الجنوب لم تفِ بالتزاماتها بسحب الجيش الشعبي إلى جنوب خط يناير 56، الذي ظل محل استهجان وتململ الحكومة السودانية.
لا شك أن الشعب السوداني يتعاطف مع إخوته من الجنوب، وأن الشعور العام لا يزال يحتفظ بوحدة الوطن السودان الكبير بلا حدود سياسية، لكن على حكومتنا أن تتعامل مع الواقع لا العواطف، ولا بد من تقنين وضع الوجود الأجنبي الذي تتحمل تكلفته المالية في معظمه شؤون اللاجئين وليس جيب المواطن السوداني.
(سمية سيد جادو – كلام صريح – صحيفة التغيير)