احمد يوسف التاي : مؤشرات السعادة
قبل يومين اهتمت الصحف بما أسمته “ردود فعل واسعة” بين السودانيين حول التقرير الأممي الذي صنف السودان في المرتبة الـ “133” من حيث مؤشر السعادة.. التقرير الأممي لقياس مؤشرات السعادة اعتمد على معايير مادية بحتة مثل مستوى دخل الفرد، ونسبة الفقر، ومستوى خدمات الصحة والتعليم، والدعم الحكومي للأسر..
هذه المعايير المادية التي اعتمدت عليها الأمم المتحدة في تقريرها قد تكون مناسبة وصادقة لقياس مؤشرات السعادة في المجتمعات ذات الحضارة المادية وقد تعطي نتائج أقرب للواقع داخل تلك المجتمعات المادية، لكن هل هذه المعايير صالحة لكل المجتمعات أم إن هناك معايير أخرى يجب وضعها في الاعتبار، اللهم إلا إذا كان مفهوم السعادة نفسه مختلفاً من مجتمع إلى آخر، وإذا كان ذلك كذلك فالأولى بالأمم المتحدة أن تبحث عن معايير شاملة بمعنى أن تضيف إلى تلك المعايير التي اعتمدت عليها في الرصد والتصنيف.
في ظني أن هناك اختلافاً كبيراً جداً لمفهوم السعادة نفسه، فالسعادة في المجتمعات المادية تعني بالضرورة مستوى الرفاهية، ومستوى دخل الفرد، وامتلاك الثروات الضخمة، أما السعادة في مجتمعات أخرى لم تتأثر بالحضارة الغربية المادية فهي حالة “رضا نفسي” وقناعات داخلية ويقين راسخ..
ولتقريب وجهة نظري أضرب مثلاً بـ “بدوي” يرعى الأغنام في البوادي والنجوع البعيدة يتوسد تراب الأرض ليلاً، وسط الهوام والحيوانات المفترسة، ويجوب الوهاد والوديان نهاراً ركضاً خلف أغنامه، سعياً وراء الكلأ لأغنامه والرزق الحلال له ولأبنائه، ويكتفي من الزاد بـ”عصيده ولبن” في أفضل الأحوال… قد تجد مثل هذا “البدوي” في قمة السعادة، بمعنى أنه يشعر بقيمة السعادة الحقيقية والرضا الكامل وقانع تماماً بما حققه من كسب حلال..
أخونا “البدوي” يمسى سعيداً ويصبح سعيداً، لا تنازعه نفسه في تحقيق طموح أكبر من قدراته، ولا يشعر بمرارة هزيمة أو فشل في تحقيق أمر لم يكن بمقدوره، لأنه أصلاً طموحه محصور في كيف يشبع أغنامه ويحميها ويسعدها، وهذا ما يستطيع تحقيقه ويقدر عليه وفقاً لقدراته وإمكانياته المتاحة، وهو قانع بذلك، ولذلك فهو سعيد بل في قمة السعادة ورضا النفس..
وقد تجد صاحب ثروة ضخمة ملك كنوز الدنيا وقد آتاه الله ما إن مفاتحه تنوء بالعصبة أولي القوة، يتقلب في الدمقس وفي الحرير لكنه لا يستطيع النوم لهموم لازمته، ووخزات ضمير ما فتئت تؤرقه وتسرق منه هناء النوم على سرير وثير، بينما ينام أخونا “البدوي” ملء جفنيه رغم مخاطر الحيات والعقارب، ولسعات البعوض..
عرفتم إخوتي أن السعادة قيمة معنوية لا يمكن للإنسان أن يحصل عليها بمستوى الدخل والتعليم والغنى وامتلاك الثروات.. في تقديري أن هناك اختلافاً كبيراً في مفاهيم السعادة التي تعني عند المجتمعات الغربية المادية “الرفاهية” وتعني عند غيرها “الرضا”… وبمعنى أشمل وأدق أن معايير الأمم المتحدة التي اعتمدتها في قياس مؤشرات السعادة، وتصنيف شعوب العالم على هذا الأساس لا تصلح لقياس سعادة المسلم الحق الذي يسعد أيما سعادة بمعية الله ومناجاته ومراقبته في كل حين وفي كل لمحة وفي كل طرفة، ويعلم يقيناً أن سعادته الحقيقية تكمن في إرضاء خالقه..
غير أن القاسم المشترك بين الاثنين هو تحقيق الطموح والأحلام، وهنا يظهر خطل المعايير التي اعتمدها التقرير الأممي، إذ تختلف وسائل تحقيق الطموح من مجتمع لآخر ولا يمكن أن نعممها على الكل، فتلك المعايير المذكورة في التقرير لا تصلح لقياس مؤشرات لمعرفة مؤشرات السعادة عند قوم آخرين .. اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.