احمد المصطفى ابراهيم : هل الترابي سياسي… أشك في ذلك
ظاهرة الدكتور حسن الترابي تتمحور بين الترابي الفقيه والترابي السياسي والترابي الخطيب المفوه أو قدراته اللغوية. أحكي عن تجربة شخصية لي بالمدينة المنورة حيث كان لنا نشاط بالنادي الثقافي بالمدينة ضمن مجموعات عربية مختلفة. وكانت المجموعة الأكثر قرباً لي هي مجموعة تبحث في إمكانية تدريس وترجمة العلوم للغة العربية وبها شخصيات عديدة تشاهد في الإعلام كثيراً. من ضمن هؤلاء الإخوة مجموعة من أساتذة الأزهر منتدبين للجامعات السعودية وكان عددهم يربو على العشرة ومن بينهم الدكتور فتحي جمعة عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة والدكتور حسن طبل أستاذ البلاغة وصاحب كتاب المطابقات الشهير.
طلب مني الدكتور حسن طبل وكان جاري أن أحدث المجموعة عن حسن الترابي. وكنا نلتقي ثلاث أو أربع مرات اسبوعياً. فما كان مني إلا أن أستعرت من أحد الإخوان (الجبهجية) شريط فيديو للترابي في جامعة الخرطوم. وعرضته عليهم. كان أول تعليق من الدكتور حسن وأيده الباقون (إنه لم يسمع أحداً يتحدث اللغة العربية بهذه الطلاقة في حياته). وكانت الليلة ليلة الترابي بامتياز. أحد الحضور سألني مازحاً كيف يقولون إنكم شعب كسالى وفيكم حسن الترابي.
هذه واحدة والثانية، عندما كان الترابي وزيراً للخارجية وزار المملكة. كان للدكتور نايف الدعيس صالون أدبي يدعوننا إليه أسبوعياً ويدعو إليه شخصية هامة من زوار المملكة. جاءني الدكتور حسن طبل وأيقظني من نومة ما بعد الدوام، وقال لي اليوم هناك مفاجأة لك في الصالون. وكانت المفاجأة دكتور الترابي. كان الموعد الساعة السابعة والنصف بعد العشاء مباشرة لكننا انتظرنا الترابي حتى الحادية عشرة والنصف ليحضر. وكان الدكتور نايف يتابع بالهاتف مع القصر حيث كان الملك بالمدينة، ولم تكن هناك موبايلات وقتها وبدأ الملل يدب في الحضور فقال لنا الدكتور نايف (إذا كان الملك فهد اجتمع مع الترابي لمدة أربع ساعات وهو الذي لا يجلس مع ضيف مهما كان أكثر من ربع ساعة فما عليكم إلا انتظار الرجل) جاء الترابي آخر الليل وبدأ حديثه عن سيرته الذاتية حسب طلب دكتور نايف ومما أعجب الحضور أنه قال أهم مرحلة دراسية في حياتي هي كلية يوسف طبعاً يقصد السجن.
في تلك الليلة تحدث الترابي أمام أساتذة من جامعة الملك عبد العزيز والجامعة الإسلامية وكلية التربية وآخرين كثيرين وحقيقة بهرهم بلغته العربية المتمكن منها وقدراته الأدبية والفقهية ورد على عشرات الأسئلة من الحضور وتفرقنا قبل الفجر وكنا في حي القبلتين، وقال لي بعض الحضور لقد كان صيدنا الليلة ثميناً. هذا هو الترابي المفوه في اللغة العربية والفقيه. لكن الترابي كقائد وسياسي يملك رؤية لم أعثر له على أثر يذكر حسب تجربتي الحياتية المتواضعة واحتج بذلك بقول له في تلك الليلة عند الدكتور نايف حيث سأله أحد الإخوة المصريين كيف تفسر تعرض الإخوان المسلمين لضربة قاصمة في مصر وصمود ونجاة التنظيم في السودان تحت قيادتكم. فأجاب إن خطأ الإخوان في مصر أنهم وضعوا البيض كله في سلة واحدة ومصر فيها بين كل عمودي إنارة رجل أمن. إذاً كيف وضع الترابي السياسي تنظيم الإخوان كله في جحر واحد عندما دخل في تجربة انقلاب عسكري لن تتعافى منه جماعة الإخوان أبداً. هل الترابي سياسي… أشك في ذلك.
د. عثمان يس – سلطنة عمان