محمد وداعة : ما بين د. صلاح عبدالرازق .. ومأمون !
خبر صغير من (48) كلمة، احتل الخط الأول في صحيفة التغيير الغراء بتاريخ 22 مارس 2016م، وربما الصحيفة انفردت به دون سائر الصحف، الخبر المانشيت يقول: (المراجع القومي يقاضي مدير عام صحة الخرطوم السابق)، وجاء في الخبر (وجه المراجع القومي برفع دعوى قضائية ضد مدير عام صحة ولاية الخرطوم السابق، الدكتور صلاح عبدالرازق، وذلك لتوزيعه أموال الاستبقاء المخصصة كدعم للاختصاصيين في التخصصات النادرة وبعض قيادات الوزارة، مخالفاً بذلك توجيه وزارة المالية الاتحادية، وتم ذلك في غياب الوزير في مهمة خارج البلاد، ويطالب المراجع القومي بإرجاع المخصصات للخزينة العامة، تجدر الإشارة الى أن تصديقات المدير العام السابق شملت شخصه)، أولى الملاحظات على الخبر (الخبطة)، أن تقرير المراجع لم يشر الى أن ما حدث تم في غياب الوزير في مهمة خارج البلاد، وصحة القرارات والتصرفات المالية ليست مرتبطة بوجود المسؤول الأول أو غيابه خارج البلاد، لأن الإجراءات المالية يحددها القانون واللوائح المحاسبية، إلا أن الغرض من صياغة الخبر بهذه الطريقة اقتضته مصلحة مالك الصحيفة السيد الوزير في الإيحاء ببراءته لوجوده خارج البلاد وفي (مهمة رسمية).
الدكتور صلاح عبدالرازق ظل مديراً للوزارة لمدة أربع سنوات، كان فيها الساعد الأيمن لمأمون حميدة، نفذ كل توجيهاته المكتوبة والشفهية وزاد عليها طائعاً مختاراً، ولم ينقل عنه أي اعتراض على أي قرار اتخذه الوزير في إعادة ترتيب الهيكل الإداري للوزارة ومدراء المستشفيات أو ما سمي بنقل الخدمات الصحية للأطراف، وأسكرته سلطة المنصب فنكل بزملائه من كبار الأطباء والاختصاصيين وكأنه لم يعرفهم يوماً، ويأتي الخبر وكأن السيد المراجع لم يجد مخالفات تستحق الإحالة إلى القضاء خلاف تصرفات د. صلاح عبدالرازق، وطبعاً هي المرة الأولى التي تذكر أي صحيفة اسم المحال للقضاء صراحة وتحدد التهمة بالتفاصيل مع الإضافات والتحليل، تتوالى المفاجآت في صحوة نواب المجلس التشريعي لولاية الخرطوم وحقائق تذكر لأول مرة، وجرت محاولات فاشلة للتستر عليها، جدل في المجلس بسبب مقترح إلغاء تبعية المستشفيات المرجعية للولاية، السيد الوزير قال: (أي حديث عن إرجاع المستشفيات يعني الرجوع للوراء)، الوزير رمى باللوم على الكوادر الصحية وقال: (الكوادر غير ملتزمة بساعات العمل، والاختصاصي يأتي مرة أو مرتين في الأسبوع) انتقد أعضاء المجلس التشريعي تقرير وزارة الصحة الذي عرض على المجلس مطالبين بتوفير القدر الكافي من الخدمات العلاجية والوقائية بالمستشفيات والمراكز الصحية الخاصة والحكومية بالولاية والاهتمام بجودة الخدمات الصحية المتقدمة للمواطنين وقال العضو التجاني (توجد مراكز صحية في منطقة جبل أولياء أصبحت مرتعاً للحيوانات)، العضو عبدالله العاقب أكد خلو مستشفى أم بدة من اختصاصي الباطنية واختصاصي التخدير، مشيراً إلى التقاطعات الإدارية الحادة بين مدير المستشفى التركي والمدير الطبي والمدير العام مما أسفر عن تردي الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين).
صحيفة السيد الوزير احتفت بخبر انفردت به لوحدها يفيد بتقديم د. صلاح عبد الرازق للقضاء للتصرف في أموال دعم الاختصاصيين، وزير الصحة بالخرطوم بروفسير مأمون حميدة شن هجوماً على الأطباء غير الملتزمين بساعات العمل المخصصة لهم داخل المستشفيات، محملاً إياهم مسؤولية هزيمة الخطة الصحية بالولاية، وفيما صوب انتقادات لاذعة لقانون الخدمة المدنية بالولاية، اشترط تغييره لاستقامة العمل في الصحة، بينما دعا حميدة لتعديل القانون ليساعد صحة الخرطوم في محاكمة الأطباء غير الملتزمين، وقال حميدة خلال جلسة أمس بتشريعي الخرطوم: (إن الطبيب يغيب (44) يوماً ولا نستطيع أن نفعل شيئاً في مواجهته)، وأوضح أن الطبيب يعمل (6) ساعات فقط في الأسبوع، وأشار إلى أن لديه الآلاف من الأطباء إلا أنه يعمل بطاقة (400) طبيب فقط، وتابع قائلاً: (والباقين ما ملتزمين)، السيد الوزير وهو يبشع بالأطباء نسي أنه قبل أسبوع فقط اتهم الصحافة وكتاب الأعمدة بالجهل والكذب وأنهم يثيرون الرأي العام ضد الأطباء، إن حديث السيد الوزير يتجاوز كونه احتجاجاً، هذه إشانة سمعة وتحريض صريح للمواطنين للاعتداء على الأطباء، الوزير يعترف بالفوضى في مستشفيات الولاية وبعجزه عن إصلاحها، لا زالت أمام السيد مأمون حميدة فرصة للاستقالة من الوزارة والتفرغ لاستثماراته وإلا سيفقد الاثنين معاً.