منى عبد الفتاح : الشعر في يومه
يعود الاحتفاء بيوم الشعر العالمي في 21 مارس من كل عام إلى شعراء فلسطينيين منهم محمود درويش وفدوى طوقان، طالبوا منظمة اليونسكو بضرورة تسمية يوم عالمي خاص بالشعر، وجاء بعدهم مثقفون مغاربة واصلوا في هذه المطالبة حتى صدر القرار بتسمية هذا اليوم في 1999. وليس غير الشعر يمكن أن يجمع ما بين الشامي والمغربي، بينما ظن القوم أنهما لن يلتقيا، ففي الشعر روح الإنسانية وجسد العالم كما جاء في النداء الأول، يتم تجسير كل الدروب المهشمة حتى توصل إلى صوت إنساني واحد.
تم تخليد اليوم ابتداء بمولد ورغيليوس الشاعر الروماني الملحمي في 15 أكتوبر، والذي كتب قصائده الوطنية الخالدة ومنها «الإنياذة» التي حكت عن ميثوليوجيا إغريقية دارت أحداثها في حرب طروادة، ومقاربة أيضا لإلياذة هوميروس وأوديسته منذ قبل الميلاد. ومرورا بشعراء العصر الجاهلي، وفيما أظن أننا نحتاج إلى تخليد إنتاج إبداعهم عالميا نظرا لإسهامهم الملحمي أيضا في حالات الحب والحرب وكونهم مثلوا فترة تاريخية ارتبطت بشكل واضح بتاريخ الجزيرة العربية. ثم بعد ذلك جاء هذا اليوم وأميل إلى الاعتقاد بأنه تم اختياره موافقا لذكرى ميلاد الشاعر نزار قباني الذي احتفل به محرك البحث قوقل دون الإشارة ليوم الشعر.
ونعرج لنتذكر شاعر الأسى والجمال «الشابي»، الذي لم تغب قصيدته «إرادة الحياة» الملهمة للشعوب العربية، رآه النقاد شاعرا تحرريا تمرد على زمانه بروحه الراقية وأشعاره المليئة بمعاني الحياة، سموه شاعر الأسى والجمال لكن أغلب ما كتب عنه لم يناقش سر هذا الأسى، وبات الكتاب بإعجابهم الكبير بالشابي في هم أكبر ومحاولات مستميتة لإبعاد صفة الرومانسية عن شعره، وكأنما هي وصمة تضعف قيمة شعره، وقد كُتب من قبل أن الشابي ليس رومانسيا حالما إنما هو شاعر وطني!
عُقد بين الشابي وبين الشاعر السوداني التيجاني يوسف بشير نقاط اقتران، منها أن الشاعرين ولدا وتوفيا في فترات زمنية متقاربة، فالشابي ولد بتوزر في تونس 1909 وتوفي 1934 بداء القلب عن عمر لم يتجاوز الخامسة والعشرين، والتيجاني ولد في أم درمان عام 1912 وتوفي 1937 بداء الصدر عن عمر لم يتجاوز الخامسة والعشرين أيضا.
وفي أشعاره المنظومة بلغة عربية رصينة يمكن تلمس آثار تجربة التيجاني السابقة لأوانها، في شكل تنبوءات تصل إلى قلق ممزوج بالشك تسوده توقعات داكنة ولا يخلو من حكمة تفضي إلى ضرورة وجود الأمل في الحياة.
لم يعبر الألم والحزن حياتي الشاعرين بل سكنها حتى قضيا، للتيجاني «ملاحن فيها الهوى والألم»، وللشابي «أيها الحب أنت سر بلائي»، وفيهما يكاد الحزن يطفر من روحيهما، وفي القصيدتين سر صمود لأرواح كتب عليها مقابلة قسوة الحياة، ولكل منهما في بعض قصائدهما تنبؤات باقتراب الموت وأسئلة عن سر الحياة والموت، ولكل منهما في قصائدهما عموما ملاذ موقت، يتشاطران فيه نفس الخيال والأفكار التي تنتهي بأسئلة فلسفية تبحث عن الطمأنينة المسلوبة لم يجب عليها زمان الشاعرين ولا أي زمان بعدهما.
ثم نجيء إلى الشاعر الديبلوماسي غازي القصيبي الذي كما ذكرت من قبل يحتار المرء في نسبه إلى الخليج أم إلى العروبة، ما ظل راسخا أن انتماء القصيبي لم يخرج عن حالة الانتماء للعروبة بشكلها العام في حالات الوعي السياسي التي شكلت زهرة دواوينه الشعرية الأولى، كما أنه لم يستطع إلا مسايرتها مع الانتماء في نفس الوقت لمحيطه الخليجي والثقافة الإسلامية من خلال قضايا الأمة العربية والإسلامية.
هذه شذرات