أ.د. معز عمر بخيت

د. المعز عمر بخيت : إلى امرأة تحيّرني الآن..

هي امرأة من حزن وشتاء..
من وهجٍ صيفي وحنين..
تمتلك قوافي السجع
وتحتضن البحر في صدرها
وبين يديها تنام السواحل
وتورق الضفاف
وتشرق الأمنيات القادمة
من خلف الوله بذاكرتها.

امرأة تعانق الشمس
كل يوم مرتين عند المغيب
وتلاحق أنفاس الشجر
وهي تتوسد عري الوحدة
والصحراء.
امراة تفترش رمال العصر
عند تعاقب الموت
ما بين حد الإنتظار
وبين لهيب الشهوة لناظريها
كلما رن صوت هاتفها المبارك
عند مطلع الحريق..

عذبة كماء الورد
ونقية كنبع الصدق الشارب
من همس الفصول ندى العافية..
تتمدد عبر محيط الزمن
الطالع من شفتيها
أحرفاً من غليان
يوقظ في أعصابي صهيل المغفرة
حين ترسم لوحات من الحيرة
المحببة إلى النفس.
وحين يخرج شهاب الدهشة
تائهاً في طرقات الحلم بلا هوية
تتعثر خطواته على أطراف
سحابة عطشى لمائها البنفسج
فيخرج النبع من ثكناته
عند أول الصباح مثقلاً بالهم
ورذاذ الوجع القديم.

كم مرة رقص الضوء
بخاصرتها اليمنى
فتلقاها صوتي وهو يسترق النظر
لكف الريح
وهي تنام قريرة العين
على تلال صدرها
ويصعد هديل اليمام بشفتيها،
وبخاصرتها اليسرى
يسكن بعض شهيق.

ما أجمل أحرفك التي لا تجيء
على ورق البردي
ولا على كتان من سندس
واستبرق وعقيق.
لكنها تكتب في وجه الحلم
شوقي إلى ناظريك،
وقطرات العشق ترجو
أن يصمت النجم عن الهذيان
كلما أبصرك قادمة..

كم مرة أشعلني حضورها المستتر
ما بين بريق اللؤلؤ وحبات القمح
المطحون برحى الأمنيات اللاذعة.
كم مرة ارهقت كفي الدعوات
أن يلوح بريقها على أجنحة
الموج الراحل من شطٍ
رسى عليه «كولومبوس»
فاستوجب الغسل مرتين
قبل أن يزرع النسيم في ساقيتي
– عند رحيل الطير –
نخلة عذراء تنبت الثمر
كلما هز جذعها
صمت الجراح الهادرة
جنوناً وترقباً وانشطار..

كم مرة سكبت على حقل الشجون
نهر الأنس ورحيق أعناب الشفق،
وكم مرة رسمت ظلال القمر
على وسادتي
فأحلم بضلع خرجت منه إلى أرض
يثمر فيها شجر التفاح
وتتناسل فيها حبات اللقاح
عند أعشاش الطيور.

حمامتان خرجتا منها لأطراف الغدير
وجلستا على حافة الموج
تسجعان بالشبق الكثيف،
فيشتهيها البحر مثلي والغصون،
وينتظر المدى انعتاق الصبح
في كل مكان فيها لا يزوره الضوء
إلا عند النشوة
أو عند سنن التيمم بالماء
في غياب الصخرة الحزينة
تحت قدمها وهي تقدم للأرض
خطوة تجعل كل مسامات الحياة
تنبت شتولاً لم تعرف حد الإرتواء،
لا بين مشارف الحيرة والإرتباك
أوبين مطلع الهروب
من دوائر الزمان.

بعينيك الشذى يغفو
والناس يطلعون عند الأمسيات
لتلقى فيض الجروف الحالمة بك
تدعو هواك الصفح من ذنب العبور
قبل أن يغرق المحيط في عينيك
إذ استلهمك الفتح بعد العودة الأخيرة
جسداً شكل عمق النهار
فينا أغنية وحديثاً ذو شجون.

ما أجملك من «امرأة تحيرني الآن»
بعد أن هطلت سحابتك الحبلى
بالوجد مطراً من حرفين..
وشراراتٍ عديدة أسكتت حس اللغة
في بوتقة الحاضر أحرفاً
لا تنطق إلا باليمن في مدارات الأسى
وعند محطات الشجن
زهداً يبحث في خارطة الليل
عن همسٍ دافئٍ ..
وعن صفاء..