النفخ في “القرب المقدودة”
القاعدة التي تعارف عليها الناس في السودان تقول أن المبدع مهما كان مستواه سيصل للاخرين إن امتلك أصدقاء وأشخاص في الاوساط الإعلامية كالإذاعات والقنوات والصحف والنقاد فهم بالتأكيد باستطاعتهم – إن أرادوا – تقديمه وتقديم أعماله بكثافة حتى لو كان مستوى ما يقدمه أقل من المتوسط بكثير.
الواقع أن العلاقات الشخصية بين شركاء العمل الإبداعي في بلادنا تخدم المبدعين أكثر من أي شيء آخر ، ومستوى ورفعة الإبداع، التي يفترض أن تكون هي الأساس – تبقى دائما في المرحلة التي تلي ذلك..
لكن الحقيقة التي يجهلها البعض هي أن الإبداع لا يمكن فرضه على الناس مهما كان حتى بالظهور المتكرر فكم من مغن فرضته الشاشات وتكررت طلاته دون أن يحرك صوته ساكن احساس المشاهدين.. وكم من شاعر اجتهد حركيا وإعلاميا ولم تتعد نصوصه المسافة التي بينه والكاميرا التي يجلس أمامها.
أما الملحن الضعيف فانه مهما وجد من مساحات الترحيب والبرامج الاذاعية والتلفزيونية وورش العمل ومناقشة تجاربه فسرعة ذوبان ألحانه قبل رسوخها في الاذهان سيدهشه نفسه قبل المتابعين والنقاد.
قد يكون من حقنا أن نلوم المتحكمين في وسائل الإعلام في كل الجزئيات التي مررت بها مسبقا باعتبارهم المتسببين الأساسيين في المستوى الهزيل الذي يقدم لنا من خلال وسائل الإعلام في كل المجالات ، لكن علينا ان نتذكر أن نسبة كبيرة من المبدعين الحقيقيين مقلون في الظهور الاعلامي وزاهدون فيه ،فالكثير منهم يطالب بمقابل كبير والبعض يصعب الحصول على التزام منهم وربما يصعب استضافتهم لأسباب اخرى تخصهم لذلك فان ما نراه في رأيي هو عبارة عن معالجات مبررة أكثر مما هو فرض بالقوة.
بالرغم من ذلك ، فاننا نطالبهم بتوخي الدقة والتمحيص عند اختيار الضيوف وتقديمهم ، ونحن على يقين تام أن المبدع الحق هو من يستحق عرض أعماله وتجاربه لا أشباه المبدعين ، وهو قادر بالتأكيد من البروز واثبات وجوده ورسوخه منذ إطلالته الأولى.
لماذا تنفخون في قربة مقدودة..؟.. فالمبدع الحقيقي موجود ولا يصح إلا الصحيح..
بقلم: محمد الخير حامد