وليد العوض : الصحافة وخطبة الجمعة
خطبة الجمعة أصبحت (مانشيت) ثابتا في صحافتنا ولا أدري أهو توجه مهني أملته المسؤولية الإعلامية أم أن عدد السبت بطبيعة النشاط والعادة يكون وارد الأخبار فيه ضعيفا ويلجأ الصحافيون لسد ذلك النقص بأخبار خطب الجمعة وبطريقة انتقائية وحصرية أحيانا، وهي ظاهرة إعلامية يجب مراعاتها وتقييمها من قبل القائمين على أمر الإعلام والدعوة والإرشاد مع الأخذ في الاعتبار أن خطيب الجمعة في مسجد (ما) خطابه الدعوي يكون للمصلين في مسجده وهو خطاب ينتهي عند حدود دائرة المستهدفين، ونقله في الصحافة بمبررات مناقشته لقضية الساعة أو قضية سياسية هو ضرب من ضروب التأثير والتعميم وفرض رؤية ما، وحينما تنقل الصحافة عن خطيب مسجد الخرطوم تتشكل معالم أن هذا الخطيب هو مفتي الديار السودانية رغم أن ولايته محصورة على من يخطب فيهم ولا تتجاوزهم نحو الخطاب العام.
المتابع لخطب الجمعة وتأثيراتها في العديد من القضايا خاصة السياسية يجد أن للصحافة والإعلام دورا في صناعة هذا التأثير، فالصحافة في أوقات سابقة صنعت النائب البرلماني حسب الرسول كداعية مثير للجدل في فقه المرأة (الخفاض والرياضة) وسلطت عليه الأضواء وملأ الساحات جدلا، ومن خطبة الجمعة انهار اتفاق (نافع عقار)، وهكذا يبدو الأمر.
قبل شهور في هذا العام تحدث خطيب مسجد النور زهير عبد الرحمن عن والي الجزيرة محمد طاهر أيلا ووالي شمال كردفان أحمد هارون وهو خروج عن النص والمكان فهم في سياق التأثير ورغم أن الإمام والخطيب غير معني بتقييم الولاة وإنما عملهم ورضا مواطني الولايات منهم وما قدموه من جهد لتحقيق العدل والخدمات وهكذا، وخطيب مسجد الأنصار يتحدث عن أمور وثغرات في سياسة الدولة باعتبار أنه خطيب لمسجد وطائفة وحزب لديه موقف سياسي من الحكومة.
وفي كثير من الأحيان يسلط الإعلام أضواء على خطبة الجمعة بطريقة انتقائية تقود إلى تشكيل راي فقهي أو سياسي عام أو جعل مؤسسة المسجد موازية لمؤسسات أخرى معنية بقرارات مثل قرار الجهاز القضائي حول زيادة الدية، فإذا كان خطيب مسجد يجتهد برؤيته المنشورة بأن تأثيرات القرار في زيادة المسجونين والشحادين كأنما مسجد الخرطوم منوط به إخراج الفتوى الدينية رغم أنه ما هو إلا مسجد لمنطقة جغرافية محدودة ولكن الصحافة تصوره لنا من خلال نشر أقوال الخطباء على أنه مسجد الفتوى ولا يأتيه الباطل من منبره أبدا.
إن الصحافة ينبغي أن تنتبه إلى ما تنشره على ألسنة أئمة المساجد في الخرطرم وتأثيرات ذلك النشر على رسالة المسجد، وهذه الرسالة موجهة للمصلين فيه وليست موجهة للرأي العام القومي.
ومن نعم الله علينا أنه ليست هنالك خطبة موحدة يتناولها الأئمة وطالما أنها اجتهادات تختلف من إمام لإمام فلا أرى أن تفرض الصحافة على القراء خطب المسجد الكبير والنور ومسجد الهجرة ومسجد الختمية والشهيد وغيرها، ومن الملاحظات أن صحيفة الجريدة نشرت في عدد أمس (السبت) على لسان أحد أعضاء المؤتمر الوطني أن الخطر يأتيهم من المساجد وليس من الشيوعيين والبعثيين، في إشارة للمتطرفين، وإذا صح أنه يتحدث نيابة عن المؤتمر الوطني فعليك أن تتعجب!!! وعليك أن تتوقع أن المساجد وخطب الجمعة في محنة وتحتاج إلى مراجعات من المؤسسات المعنية بالدعوة، وعلى الصحافة أن تنتبه إلى ظاهرة خبر خطبة الجمعة، ووددت لو تمنعوها فإنها تنشر على صيغة المسجد الضرار والإمام الضرار، وإن كان لابد منها فانشروا ماذا يقول خطباء الأصقاع والبوادي والجبال والسهول..
أهي مركزية حتى في خطب الجمعة يا هؤلاء.؟
(صحيفة اليوم التالي)