منى عبد الفتاح : في أخبار النرجسيين.. «أحلام» نموذجا
لو أنّ تلفزيون دبي أمهل الفنانة الإماراتية أحلام قليلا؛ لظهرت في الحلقة الثانية من برنامجها اليتيم (ذا كوين)، وهي تخاطب جمهورها الذي أحتارُ كثيرا في خياره هذا «من أنتم أيها الجرذان؟»، العبارة المُهلكة التي أطلقها الرئيس الليبي السابق معمّر القذافي على شعبه. ولعلّ القائمين على تلفزيون دبي كانوا أرأف بأحلام من نفسها فاختاروا إيقاف البرنامج بهذه الطريقة، نزولا عند رغبة المشاهدين بينما صاحبة التاج المزيف ترغي وتزبد متوعدة من يترصدّها ويحسدها!
تستدعي مثل هذه الشخصية الشفقة، فعندما تجد شخصا مزهوا بنفسه بهذه الصورة لدرجة الغرام الذاتي، فمن الطبيعي التفكير في مدى حاجته الماسة لحبّ الآخرين. وهذه الحقيقة يؤكدها الادعاء والتفاخر بكثرة المعجبين اللذان يتحولان إلى جنون العظمة. وهكذا يعتقد الشخص النرجسي أنّه أحسن من الآخرين، وأنّه من الطبيعي أن يعطي لنفسه حقوقا على حسابهم، كما يعتقد أنّ من الطبيعي أن يكون الآخرون في خدمته حتى لو احتقرهم وتعالى عليهم.
تجلّى هذا بصورة واضحة في الحلقة الأولى من البرنامج الذي تقوم فكرته على أن تختار «أحلام» صديقها المفضل من بين مجموعة من المشتركين، تخضعهم لمجموعة من الاختبارات، ومن يستطيع التحمل أكثر، تختاره صديقا لها. لكن «أحلام» تمادت في الظهور وهي تجلس بمفردها على كرسي ملوكي، ومن خلفها ديكور قصر فخم وخلفية داكنة وأضواء ساطعة تركّز على ملابسها السوداء المرصّعة وخواتمها اللماعة الضخمة. كل هذا الزخم فيما المشاركون بعيدون عنها، وهو ما عده مشاهدون إهانة لهم ولا يليق بهم.
لم يتغاض المتابعون لأخبار الفن عن تصرفات أحلام الغريبة مع زملائها على شاشات القنوات العربية. كدت أسأل: إذا كانت تتصرف بهذه الطريقة أمام كاميرات التلفزة، فكيف تتعامل مع الناس في حياتها. ولكن وجدت من الأخبار والنشاط الذي تشغله هذه الفنانة واستعراضها لثرائها ما ينوء بحمله تويتر الذي تخصّه بنشاطها النرجسي، حتى إنّها دعت متابعيها في هذا الموقع بالجيش الحلومي.
علينا أن نتذكّر أنّ مصير الأساطير وسقوطها المدويّ قد بدأ من الشاب نرسيس الذي حفلت به الأساطير اليونانية. ذكرت القصة أنّ نرسيس رفض حب الفتيات ليعشق بدلا عنهنّ صورته المنعكسة على صفحة الماء ويزداد غرورا بازدياد صورته جمالا. تقول الأسطورة إنّه استمر في الجلوس قرب النهر ليرى وجهه، إلى أن هدّه الحزن والألم ومات ثم تحول إلى زهرة نرجس.
ولكن جاء الشاعر الراحل محمود درويش وقال إنّ أسطورة نرسيس قد تحطمت:
«نرسيس ليس جميلا كما ظنّ
لكن صنّاعه ورّطوه بمرآته
فأطال تأمّله في الهواء المقَطّر بالماء
لو كان في وسعه أن يرى غيره
لأحبَّ فتاة تحملق فيه
وتنسى الأيائل تركض بين الزنابق والأقحوان
ولو كان أذكى قليلا لحطّم مرآتَهُ
ورأى كم هو الآخرون».
إنّ مهمة إثارة الجدل مهارة في غاية السهولة والخطورة معا، فهي لا تحتاج إلى موهبة لتأدية هذا الغرض، بقدر ما تحتاج إلى جمهور غافل، وفي نفس الوقت لا تحتاج إلى مجهود أكثر من اللعب على المتناقضات. ولا يهم أن خضعت للتغيير بعد أداء غرضها أم لا، ولكن الأهم أن يحصل مثير الجدل على اللقب اللامع ثم يترك الضجة تأخذ مسيرتها الطبيعية في الصعود إلى أعلى عليين ثم السقوط به إلى أسفل سافلين، وكل من حاول في هذا المجال وصل إلى غايته ثم انحدر.
خلاصة القول إنّ سلوك أحلام لا يخصها وحدها خاصة أنّها في عداد الشخصيات العامة. ويزداد هذا السلوك سوءا عندما يتحول إلى سلوك إقطاعي يتلذّذ بالحكم على المشاهدين الضعفاء وقمع شخصياتهم، وهذا مما لا يتناسب مع توجه حكومة وشعب الإمارات الذي استنّ مؤخرا محاربة التمييز والعنصرية بقانون رسمي.