احمد يوسف التاي : ليس التعليم وحده
لم أشك مطلقاً ولو لحظة واحدة، أننا نحصد الآن ثماراً مرة بذرتها سياسات فاشلة، وعقول موتورة وعقليات جبائية لا تعرف إلا “البزنس” وجمع المال، سياسات بائسة، نبذت الأخلاق وراءها ظهرياً، ولا تنظر للمستقبل إلا كما ينظر “الساري” إلى موضع قدميه.
ونتيجة لتلك السياسات العقيمة نجني ثماراً مرة في كل المجالات، التعليم الصحة، الخدمة المدنية، الاستيراد، التصدير، فالبؤس اليوم مدَّ أذرعه الأخطبوطية وأخذ بخناق كل المجالات وحاصر كل الساحات واخترق كل المؤسسات وتغلغل إلى داخل كل الكيانات والتنظيمات وأكاد أجزمُ أنه لا يوجد في بلادنا مجال من المجالات لم يتسرب إليه هذا البؤس.
هذا (الكابوس) المُرعب دون أن تبحث عنه ستجده اليوم في التعليم ..!! في الصحة..!! والزراعة وفي السياسة والاقتصاد والإعلام والصحافة وفي الثقافة وفي مجال الخدمات، والتصدير والاستيراد.!! وفي المواصفات.. تسرَّب حتى إلى أخلاق الرجال فأجهز على قيم التجرد ونكران الذات في العمل العام، وانتشر كالأورام السرطانية فقتل الخلايا الحية في (الضمير) الإنساني لدى القابضين على مفاصل السلطة والاقتصاد، والمال وتمدد إلى مخ وأعصاب المجتمع فأدخلنا جميعاً غرفة الإنعاش تحت رحمة الغيبوبة الجماعية لنعيش حكومة وشعباً بلا وعي وبلا ذاكرة نكرر أخطاءنا الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية والأمنية القاتلة ولا نتعلم منها… والنتيجة الحتمية لتسلل جيوش (البؤس) إلى عصب حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي التردي المريع في كل المجالات، ولا سيما التعليم الذي أصبح اليوم – بعد فضيحة الطلاب الأردنيين – مجالاً للتندر والسخرية بين العرب الذين قامت مؤسساتهم التعليمية والطبية ومؤسسات الخدمة المدنية عندهم على أكتاف علماء سودانيين، وفي مجال الصحة أمامكم اليوم سيول الأغذية الفاسدة التي فاضت بها الأسواق بعد أن تم إغراقها بالنفايات القادمة من الخارج، هل ننسى مصانع اللحوم “المحمية من فوق” وكذا التدهور الكارثي في مجال الإنتاج الزراعي والصناعي، وهل أستدل إلا بما جرى لمشروع الجزيرة؟ وهل أنا بحاجة للاستدلال على (البؤس) بتوقف (300) مصنع بمدينة مدني وحدها؟.. وإن جاز لنا أن نتساءل عن توقفها فهل أوقفت لإفساح المجال لـ”إمبراطوريات” الاستيراد المحمية ليخلو لها الجو لإغراق السوق بالبضائع والسلع الفاسدة بعد أن (قدلت) فوضى الاستيراد وهي تأخذ بخطام العملة الصعبة وتوجهها إلى استجلاب الكريمات والكماليات واستيراد لعب الأطفال وحدها بما يعادل أكثر من (3) مليارات دولار سنويًا عوضاً عن الأدوية المنقذة لحياة البشر التي أعلم أنها لم تعد عتبة في سُلم الأولويات الحكومية ..
ومن نتائج تسلل (البؤس) إلى عصب حياتنا السياسية ذلك التراجع الكبير في أداء الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة وانعدام التجرد ونكران الذات واللامبالاة على نحو أفرز قيادات سياسية فاشلة كل همها المواقع والمناصب وتحصينها بالقوانين المفصَّلة لخدمة المصالح الذاتية، و”الكنكشة” وحب الذات والاستئثار بموارد الدولة واستباحة حرمة المال العام، واستغلال النفوذ.. هذا الواقع المرير أنتج قيادات فاشلة وساعدها على الصعود و(مكَّنها) من الهيمنة على موارد الدولة.. والواقع نفسه أفرز في مجال الإعلام والصحافة، النطيحة والمتردية والموقوذة وما أكل السبع.
بعد كل تلك المعطيات المركوزة بالمعلومات الموضوعية هل من شك في أن سبب التردي الذي تعيشه البلاد الآن في كل المجالات هو خطل السياسات وفسادها.. إذا كانت هناك رغبة في انتشال الوطن من هذا الوحل واستفاقته من هذا الكابوس فلنشعل الثورة على كل أوجه التردي بتصحيح تلك السياسات الفاسدة التي ألبست واقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي ثوب الفساد، فليس التعليم وحده، فالبؤس أخذ بخناق كل شيء..
اللهم هذا قسمي فيما أملك..
ـ نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.