خروج اليوناميد..كيف..؟
> في الاجتماعات التي عقدت في نيويورك الأسبوع الماضي حول خروج بعثة اليوناميد، وأشار إليها الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير علي الصادق في تصريحاته الصحافية أول من أمس ونشرت أمس، يبدو أن ممثلي الأطراف الثلاثة الحكومة والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، لم يحسموا بشكل قاطع موعد وكيفية تنفيذ إستراتيجية الخروج للبعثة من السودان. وقد أعدت وزارة الخارجية منذ فترة طويلة قاربت العامين، إستراتيجية الخروج، لكن الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي مايزالا يراوحان مكانهما في التقيُّد بتلك الإستراتيجية والعمل الفعال على تطبيقها والتعجيل بالخطوات العملية التي تُفضي في نهاية الأمر إلى مغادرة البعثة.
> ما فُهم من تصريح السفير علي الصادق، أن الاجتماعات المعنية بمناقشة تفصيلية حول إستراتيجية الخروج، ستكون في أبريل المقبل بالتئام اجتماعات فريق العمل المشترك المشكِّل من الأطراف الثلاثة، لبحث موضوعات خروج اليوناميد، غير أن الاجتماع الرفيع الذي عُقد قبل أيام في نيويورك للأطراف الثلاثة كما هو معلوم، يناقش القضايا الإجرائية المتعلقة بالوضع الإداري وتأشيرات الدخول والأذونات الجمركية، وكيفية الحركة وغيرها من التسهيلات والجوانب الإدارية التقليدية التي تحتاجها البعثة في دارفور، وترتبط باحتياجاتها التي تتطلب تنسيقاً مع الحكومة.
> فالأهم بالنسبة لإستراتيجية الخروج التي تعنينا هو، اجتماع فريق العمل المشترك في أبريل المقبل، ونخشى فيه أن تواصل الأمم المتحدة مماطلتها ونكوصها ووضعها العقبات للحيلولة دون خروج البعثة، فأي حديث عن إستراتيجية الخروج يرتبط بنجاح الاجتماع للفريق الثلاثي في إبريل، ويجب أن تكون الحكومة أكثر تشدداً ووضوحاً في موقفها الداعي للخروج الفوري للبعثة، خاصة بعد تحسن الأوضاع في دارفور وانحسار نشاط الحركات المتمردة وتحسن الأحوال الإنسانية وبدء النازحين واللاجئين في العودة إلى مناطقهم الأصلية، ووصول اتفاقية الدوحة إلى خاتمة أشواطها بقيام الاستفتاء الإداري في العاشر من إبريل المقبل، وتدل كثافة التسجيل للمشاركة في الاستفتاء وحماس أهل دارفور له على أن الوضع برمته يتطور إيجابياً نحو الاستقرار والسلام.
> وهنا، لابد من أن نسأل الإخوة في وزارة الخارجية، خاص الوفد الذي شارك في اجتماعات نيويورك الأخيرة. هل بالفعل تم الاتفاق بشكل واضح وصريح وقاطع على نقاط وموضوعات اجتماعات فريق العمل المشترك لبدء التنفيذ الفوري لإستراتيجية الخروج؟.
> وهل استعدت الحكومة بما يكفي حتى تُطبق هذه الاستراتيجية؟.. وقد سبق أن سمعت من وزير الخارجية البرفيسور إبراهيم غندور، أنه في إطار تنفيذ الإستراتيجية، «جهزت حكومة السودان وأعدت إعداداً كافياً من القوات المسلحة وقوات الشرطة وقوى الأمن، لحماية كل شبر من أرض دارفور وحماية مواطنيها وهو واجب الحكومة ومسؤوليتها وستكون أفضل في ذلك من غيرها ومن قوات اليوناميد نفسها»..
> وهنا لابد من الإشارة إلى أن ورطة دخول قوات تحت مظلة الأمم المتحدة من واقع التجارب العالمية في أية دولة من دول العالم، ليس من السهل خروجها. ففي تجارب حفظ السلام التي نفذتها الأمم المتحدة وهي بضع وثلاثين تجربة خلال الخمسين سنة الماضية، لم تخرج القوات الأممية إلا في حالات قليلة من البلدان التي دخلتها. فهناك طريقين لا ثالث لهما في معالجة خروج بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، إما بطرد القوات بشكل مباشر كما فعل الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي مع بعثة الأمم المتحدة التي دخلت بلاده بعد النزاع والحرب مع إثيوبيا، أو عن طريق توفير البديل كما فعل الرئيس التشادي إدريس دبي مع بعثة «المينور كات» التي دخلت لحفظ السلام في منطاق شرق تشاد في العام 2007م لحماية المواطنين من النزاعات، وتوفير الحماية للاجئين الذين دخلوا الأراضي التشادية من نيران الصراع المسلح في إفريقيا الوسطى ودارفور، واستطاع إدريس دبي يوفِّر قوات من بلاده وتدريبها تدريباً كافياً في مجال حماية النازحين واللاجئين، وتوفير وحفظ الأمن، وكانت هذه القوات بديلاً للقوات الأممية التي خرجت بعد أربع أو خمس سنوات فقط من دخولها شرق تشاد.
> فعلى حكومتنا، أن تكون أكثر جهوزية في تطبيق إستراتيجية الخروج، ونحن نعلم أن قواتنا النظامية الموجودة الآن في دارفور، كافية وتقوم بواجباتها على أكمل وجه، ولا يفوت علينا أن عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة باتت تُعرف في الأوساط الدولية بأنها «بزنس» وتجارة دولية رائجة وتعتمد الكثير من الدول التي تشارك بقواتها فيها على العائدات التي تأتيها من هذه المشاركة، وتستفيد من تدريب قواتها وتجهيزها اعتماداً على الميزانيات المخصصة وكذلك رواتب الجنود، خاصة إذا عملنا أن ميزانية حفظ السلام في الأمم المتحدة العام الفائت 2016 بلغت أكثر من ثمانية مليارات دولار..