مقالات متنوعة

محمد سيد احمد : مواصلة لجدل النظر لعلاقة الثقافة بالسياسة في شهادة د. أمين حسن عمر التوثيقية لتجربته مع الترابي

> من باب الحرص على الأمانة في الإشارة لما أورده الأخ الكريم أستاذنا النبيل د. أمين حسن عمر في شهادته التوثيقية لتجربته المتميزة مع أستاذه العبقري شيخنا الجليل الزعيم الإسلامي والوطني الكبير المرحوم د. حسن الترابي، على النحو الذي شرعنا في التطرق له أمس، فقد أكد د. أمين بالفعل، وبصورة قاطعة في الوثوق بها، أن الراحل الترابي لم يكن موافقاً، من الناحية الفقهية والفكرية، على الحكم القضائي بإعدام المفكر السوداني الراحل الأستاذ محمود محمد طه، لكنه أكد كذلك أن ذلك لا يعني أن المرحوم لم يكن موافقاً على أن الراحل محمود محمد طه كان مرتداً، وإنما يعني أن المرحوم الترابي كانت لديه رؤية فقهية مختلفة بشأن الحكم الشرعي على من يرتد عن الإسلام، حيث لم يكن يرى أن الحكم الشرعي على مثل هذا الشخص المرتد هو إعدامه طالما أنه يستخدم الجدل الفكري السلمي في الدعوة لما يرى، ولا يلجأ الى استخدام القوة الباطشة لفرضها على غيره.
> وفضلاً عن ذلك، فقد أشار د. أمين الى أن موقف المرحوم الترابي المشار إليه لدى صدور ذلك الحكم القضائي المثير للجدل، الذي قضى بالإعدام على الأستاذ محمود محمد طه، إنما جاء بناء على أن التهمة المبدئية، التي تم بموجبها تقديم المفكر الراحل محمود محمد طه الى المحاكمة القضائية، قد كانت هي أنه اتخذ موقفاً معارضاً ومناقضاً ومناهضاً للسلطة الحاكمة التي كان يقودها الرئيس الأسبق الزعيم الوطني الراحل المرحوم جعفر نميري عندما أصدرت حينها ما يسمى بقوانين سبتمبر 1983م الهادفة لتطبيق الشريعة الإسلامية وأحكامها ذات الطابع القانوني الشرعي، وفقاى لرؤيتها لذلك، بيد أن المحكمة التي أصدرت ذلك الحكم القضائي، بإعدام الأستاذ محمود، كانت قد أدخلت من جانبها تهمة أخرى مقحمة وجهتها له بدعوى أنه يعتبر أصلاً شخصاً مرتداً عن الإسلام، ثم أصدرت حكمها عليه، وفقاً لما ترى، بناء على التهمة الأخيرة التي بادرت بإدخالها وإقحامها في تلك الدعوى، بدلاً عن الاكتفاء الملتزم بإجراء المحاكمة بناء على التهمة الاولى أو الأصلية والمبدئية التي تم تقديمه للمحاكمة بناء عليها، وقد كان المرحوم الترابي ذكر إن مثل تلك الطريقة في المحاكمة غير عادلة، ولا يؤيدها من جانبه وفقاً لما يرى من الناحية الفقهية الشرعية المستندة لإحكام الشريعة الإسلامية الغراء والأصول والقواعد الصائبة المؤسسة لها.
> بيد أن الأهم يبقى، وفقاً لما أرى كما ذكرت أمس، هو أن النظر لجدل العلاقة بين الفكر والثقافة والسياسة، على النحو الذي تجسّد في التجربة المفلحة والناجحة التي قام بها المرحوم الترابي منذ أن أقدم على تولي القيادة الملهمة والمرشدة للحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة، ينبغي أن يتجه الى التركيز على المستقبل المحتمل لهذه التجربة المهمة، وما ينتظر أن يتم الإقدام على القيام به من قبل تلاميذ الترابي من المفكرين والمثقفين والعلماء والفقهاء المنتمين لهذه الحركة حتى تواصل الاستمرار في تطوير وتحديث تجاربها الضخمة والتأمل فيها برؤية متعمقة في تمعنها الهادف الى استخلاص العبر والدروس المستفادة والمسعفة للمساعدة على تفادي السلبيات المهلكة، والبناء على الإيجابيات المثمرة، والدافعة للمضي قدماً الى الأمام برؤية ثاقبة، وبصيرة نافذة، ووحدة متماسكة، وإرادة صلبة، ويقظة متقدة، ودراية واعية ومدركة ومتحفزة ومؤهلة للإحاطة الشاملة بما تسعى له وتتمادى في التفاني المخلص والصادق والمتجرد في سبيله ومن أجله.
> ولعل من أهم ما ورد بهذا الصدد وبهذا الخصوص، في الشهادة التوثيقية المهمة التي أدلى بها د. أمين عن تجربته مع أستاذه العبقري المرحوم الترابي، هو أنه كشف عن اللقاء الذي ذكر أنه قام بعقده مع الأمين العام المكلف لحزب المؤتمر الشعبي المعارض الشيخ الجليل الأستاذ إبراهيم السنوسي، حيث أشار الى أنه وجد لديه ذات الرؤية التي دعا لها المرحوم الترابي قبل رحيله عن الدنيا الفانية الى الدار الآخرة الخالدة، وأطلق فيها الدعوة الى منظومة خالفة متجددة حتى تتمكن الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة من العودة الى توحيد صفها، وجمع شملها بكافة تياراتها وروافدها التي تفرعت عنها متفرقة نتيجة لتأثرها بالتجربة الراهنة للسلطة الحاكمة والقائمة منذ تأسيسها لها عبر نقلاب ثوري مدني وعسكري أقدمت على القيام به في الثلاثين من يونيو 1989م.
> وكما هو معلوم، فإن المنظومة الخالفة المتجددة التي دعا لها د. الترابي، في سياق الحوار الوطني الجاري في الوقت الحالي، إنما تهدف في حقيقة أمرها، كما نرى، الى أن تعمل الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة على العودة العامدة والهادفة لدمج جهودها مع الجهود الوطنية الأخرى الفاعلة والمتفاعلة والرامية الى تهيئة أرضية صالحة لمواصلة التفاني المتمادي في سبيل العمل من أجل النهضة الوطنية والحضارية المتكاملة والمحققة للمصلحة العليا العائدة بآثارها الموجبة على كافة قطاعات وفئات الشعب والجماهير الكادحة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها على المستوى الوطني الداخلي وتفاعلها مع المحيط الخارجي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
> وبالنظر الى أنني، من الناحية الشخصية لرؤيتي المتواضعة، أرى أن أية عودة للقاء والإلتقاء الإيجابي بين كل من الأستاذ علي عثمان محمد طه والدكتور علي الحاج محمد، ومدى وجود قدرة لدى كل منهما على تجاوز وتناسي وتخطي المرارات السابقة المتداعية عن ما يسمى بالمفاصلة المدمرة، وما ترتب عليها منذ انفجارها وتطوراتها المتلاحقة، سيكون أمراً إيجابياً في تأثيره على المستقبل المحتمل بالنسبة للحركة الإسلامية ودورها الوطني والحضاري المنتظر. فلعل التعويل الأخير على الرئيس البشير كما عبر عنه د.علي الحاج يشير الى أن مثل هذه العودة المنشودة ربما كانت قد أضحت وصارت واردة ومأمولة وممكنة أكثر من أي وقت مضى، وربما قد تأتي معبرة عن نفسها بناء على ما ينتهي إليه الحوار الوطني الحالي في أقرب سانحة مهيأة لذلك.