تحقيقات وتقارير

البيانات والبيانات المضادة.. النفي والإثبات في أحاديث العوام والثقاة

سارع حزب الأمة القومي لنفي ما أورده المركز السوداني للخدمات الصحفية (أس. أم. سي) عن مطالبة المعارضة لمبعوث الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، ثامبو أمبيكي، بمنحها فرصة أخرى لدراسة خارطة الطريق التي رسم تفاصيلها المبعوث.

وقال حزب الأمة في بيان تحصلت “الصيحة” على نسخة منه، إن ما أورده المركز من تصريحات منسوبة للأمين العام للحزب سارة نقد الله، عقب الاجتماع التشاوري في أديس أبابا هي محض زور وبهتان وكذب بواح، وأضاف البيان بأن نقد الله لم تصرح للمركز السوداني للخدمات الصحفية أو أية جهة إعلامية أخرى، وأمسكت عن التصريح إلى حين انعقاد اجتماع التنسيق اليوم الخميس، وخلص البيان إلى أن كل ما نسب إليها عار من الصحة.

وقتذاك تحسس المركز السوداني للخدمات الصحفية الرابض في شارع الجمهورية، جماهيره وسمعته، فسارع بنشر تصريحات مضادة أرفقها تسجيلاً منسوب لنقد الله يقول المركز إنه يؤكد الخبر متنا ونقلا.

بيد أن الأمة أنبرى مجدداً للمركز وأوضح في بيان أن هناك صحافياً سأل سارة نقد الله سؤالاً واحداً دون أن يشير لانتمائه للمركز وهي قامت بالرد على ذلكم السؤال دون إفاضة أو استزادة.

فلاش باك
حرب البيانات بين المؤسسات الصحفية والسياسية ليس بالأمر الجديد، ويمكن أن نسوق أدلة لا حصر لها نسود بها الصفحة وصفحات أخر.

نذّكر بمستشار الرئيس السوداني مصطفى عثمان إسماعيل، الذي هاجم الإعلام العربي بشدة، واتهم صحيفة الشرق الأوسط بتحوير عباراته، واضعة أياه في موقف لا يحسد عليه حين أوردت على لسانه نعتاً لبني جلدته السودانيين بأنهم (شحاتون).

بدورها استخدمت الصحيفة اللندنية مصداتها ونشرت على موقعها في شبكة الانترنت تصريحات وزير الخارجية الأسبق.

الخارجية تارة أخرى
وزير الخارجية السابق علي أحمد كرتي، مر بذات المنعطف وقتما أصدرت وزارة الخارجية بيانا توضيحيا تنفي ما ورد على لسانه في جزئية من حوار صحفي وصفها مراقبون بأنها لا تمت للدبلوماسية بصلة ولا تلقين بالوزير.

كرتي كان قال يومها إن السودان رفض عروضا إيرانية لبناء منصات للدفاع الجوي، ليجد نفسه متورطاً أو مورطاً -بضم الميم- في تصريحات لها مترتباتها، عليه سارعت الوزارة بإصدار بيان تنفي ما قاله الجالس على سدتها.

أما آخر نماذجنا فهو وزير المالية الحالي بدر الدين محمود، والذي حمل على الصحافيين لنقلهم اعتزام المالية رفع الدعم عن بعض السلع والخدمات مع مهاجمة للشباب السوداني ووصفه بالبطالة.

وفي غمرة مدافعة الوزير عن نفسه، حسم مجلس الصحافة والمطبوعات المشكل باستماعه إلى تسجيلات صحفية أبانت سلامة موقف الصحافيين.

سر النفي
يعتقد رئيس تحرير صحيفة “التيار” الموقوفة عثمان ميرغني، بوجود ثلاثة مسببات تجعل السياسي يسارع بنفي تصريحاته، الأول كما يقول هو عدم الدقة في النقل من بعض الصحافيين وليس بالطبع كلهم. ويؤكد ميرغني أن هناك كثيرا من الأقوال تم نقلها بفهم آخر وقد لا يكون السبب قلة في الأمانة ولكن قلة في الدقة، مفسراً ذلك بوجود بعض الساسة ونجوم المجتمع في مجالات متراوحة ممن يرسلون تصريحات ذات فكرة معينة ولكنها تفهم بشكل مختلف.

أما السبب الثاني -والكلام لا يزال لميرغني- نتاج تصريحات عفوية لا يتوقع مطلقها ردة الفعل التي تخلفها، فيلجأ إلى نفيها وإنكارها، وهذه حالة كثير ما تتكرر أن كان المسؤول في طريقه للوقوع في براثن المحاسبة والمحاكمة.

أما السبب الثالث والأخير فيقول عثمان إنه ناجم عن أحاديث يقولها المسؤول على أنها (ونسة) ثم ما يلبث أن يجدها خبراً مكتمل الأركان، ولا يجد بداً من نفي قال ونقل على لسانه، تماماً.

عدم مسؤولية
ينزع مراسل الشرق الأوسط اللندنية من الخرطوم، أحمد يونس، عن بعض المسؤولين صفة المسؤولية، وقال: هنا مسؤولون (غير مسؤولين) يتحدثون في ملفات تخصهم وأخرى لا تخصهم، وذلك من دون أن تكون لديهم خطة للتعامل مع الصحافة.

ويشير يونس إلى أن التصريحات التي تخرج من المسؤولين بعضهم لا يدرك أهميتها أو يعرف مقدار سريتها إلا بعد أن تشاع وتنشر في الصحيفة، وأضاف: هناك حالة أخرى إذ إن المسؤولين يدلون بمعلومات للصحافة ثم يحاسبون عليها فيسارعون للنفي هربا من تحمل المسؤولية بتعليق اللوم في مشجب الصحافة السودانية.

بيد أن يونس شأنه شأن عثمان ميرغني لا يستبعد وقوع الصحافيين في أخطاء فيقول إن هناك ظاهرة جديدة ظهرت لدى الصحفيين لم تكن موجودة وهي تبادل الأخبار بينهم، ويشرح يونس ذلك بقوله: حين اكون في مؤتمر صحفي فإن التصريح الذي افهمه أنا يختلف عما يفهمه زميل لي، ولذلك عندما أوزع خبرا على الصحفيين فإن الأخطاء تحدث لرؤيتي للخبر من منظوري الخاص، ومن ثم طالب زملاءه في مهنة البحث عن المتاعب بتحري الدقة في نقل الأخبار. وقال: ومن حق المسؤول أن نصحح ما قاله حال وقوع الخطأ.

تطالب الصحف السودانية في الوقت الحالي منسوبيها بتسجيل تصريحات المسؤولين في شكل ملفات صوتية أو رسائل متبادلة، وعدم محوها إلا بعد أسبوع من تاريخ تسجيلها، لتكون بينة على من أنكر، وفي حالتنا قد يكون غالب الظن المسؤول ولمّ لا: الصحفي.

تقرير : عطاف عبدالوهاب
صحيفة الصيحة