اسحاق الحلنقي : بين عثمان الصغير وعثمان الكبير
٭ قيل إن الناقة لو تعرض وليدها إلى حريق لم يجد منه نجاة ظلت في مكانها بقربه تتقاسم معه الموت احتراقاً لحظة بلحظة، ترى ماذا عن الانسان الذي يهاجر بالسنوات بعيداً عن وطنه دون أن يتذكر أن هناك طفلاً له غادره في السنوات الأولى من عمره، لم يتذكره خلالها إلا بالرسائل فقط، ليصبح بذلك والداً له بالاسم، ربما إذا صادفه مرة على طريق نظر إليه دون أن يعرف له وجهاً، ما أقسى الغربة وما أقسى أيامها التي حولت بعض قلوب المغتربين إلى قطعة من أرض لا تثمر إلا جراحاً غير قابلة للشفاء
٭ لو أن كل الأطباء يتعاملون مع مرضاهم بالابتسامة التي يتعامل بها الدكتور عمر محمود خالد لما تعرض إنسان إلى ضغط في الدم أو ارتفاع في السكري، ذات صباح اتجه عمر إلى عيادته فوجد أمامه طفلاً مشرق الوجه فسأله عن اسمه فأجابه عثمان خالد، فذكره الاسم باسم رفيق دربه على بساتين الكلمة الخضراء الشاعر عثمان خالد، فأحس أن هناك دمعة في الطريق إلى عينيه، ثم تماسك قليلاً، وهو يقول لوالدة الطفل إن عيادته ستكون مفتوحة أمام عثمان خالد الصغير، وأنا أتمنى له أن يكون مثل عثمان الكبير، شاعراً عبقري الحروف.
٭ قمنا أنا والأخ منتصر محمد سعيد بزيارة لقبر الفنان الراحل محمد وردي جلسنا هناك على حافته نتأمله، كان يتمدد أمامنا بستان ورد تهدلت أغصانه على بوابة من السكون، أخذت الذكريات تسافر بي إلى أيام أمضيناها معاً بين (أعز الناس وعصافير الخريف) وما بينهما من مشاوير بين ضحكة ترن وشمعة تضئ، يؤلمني كثيراً أن أري أن العمالقة من أحبابي يتساقطون من حولي، ولكني أعلم أنه سقوط دائماً ما يكون إلى أعلى، وهكذا صفة العمالقة من البشر.
٭ حصلت الفنانة هند الطاهر بأغنية عبد العزيز داؤود (يا حليلهم دوام بطراهم) على جائزة أحسن أغنية في مسابقة أقيمت في إحدى المدن الفرنسية حضرها العديد من الفنانين والفنانات، وقالت إنها فوجئت بحيازتها للجائزة، حيث أكد لها بعض الموسيقيين أن لجنة التحكيم المكونة من عدد من المتخصصين في مجال الموسيقى لن يمنحوها هذه الجائزة باعتبار أنها تمركزت في أدائها على السلم الخماسي، ولكن خاب ظنهم بعد الانتصار الساحق الذي سجله السلم الخماسي على السلم السباعي عبر أغنية غناها عبد العزيز داؤود قبل نصف قرن، وفازت على أكثر من 500 أغنية شاركت في المنافسة.
٭ قال الأديب اللبنانى جبران خليل جبران إن أكثر ما يؤلمه أن يرى نمراً على سيرك متجول يتقافز على حلبة العرض والأطفال من حوله يتضاحكون، وقال إن قلبه يكاد أن يتمزق وهو يرى أصحاب البطولات في خانة المنكسرين، وأضاف أن النمر بفمه المخلوع الأسنان وجسده المنهك من التخدير المتواصل يذكره بأولئك المبدعين الذين تخلت عنهم دوائر الأضواء، فتحولت أيامهم إلى آهات تتوكأ على بعضها البعض بحثاً عن أمجاد لهم قديمة غابت في الزحام.
٭ هدية البستان
إنت يا الأبيض ضميرك .. صافي زي قلب الرضيع
في كلامك في ابتسامك .. أحلى من زهر الربيع