الصادق الرزيقي

إفريقيا موحَّدة ومزدهرة..

> ماذا تنتظر إفريقيا من السودان؟.. هذا السؤال دار بأذهان كثير من الذين حضروا صباح أمس بفندق السلام روتانا، الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الجمعية العمومية للأحزاب السياسية الإفريقية التي تحتضنها الخرطوم، بحضور عدد كبير من الأحزاب السياسية الإفريقية، التي تتولى دفة الحكم، والأخرى التي تشكل المعارضة في برلمانات الدول الإفريقية، والمشاركة بطيفها المتنوع الواسع من أطراف وأقاليم إفريقيا الخمسة، تمثل شعوب القارة السمراء وتطلعاتها وآمالها التي ظلت منذ فجر الاستقلال وهبوب رياح الحرية ترفرف فوق فضاءات الشعوب، تنتظر ميلادها ويوم تحقيقها.
> السودان يقدم اليوم إجابات عديدة للأسئلة الملحاحة لدى الإفريقيين، فقارتنا التي رزحت تحت نير الاستعمار وسالت دماؤها من الأغلال والأصفاد، وعانت من التخلف التنموي والخدمي والحضاري، تنهض اليوم بقوة غير مبالية بالمؤامرات التي تُحاك ضدها، أو محاولات تقسيمها وسلب إرادتها وإعادتها لبيت الطاعة مرة أخرى.
> فالسودان بلد واجه ويواجه أعتى القوى الدولية التي سعت إلى تركيعه وإضعافه وإذلاله ومعاقبته، وتعتبره القوى الغربية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية دولة مارقة، وضعوا أمامه كل العراقيل كي لا ينهض أو يتقدم، عاقبوه بالعقوبات الاقتصادية الجائرة والظالمة، أشعلوا الحروب في أجزاء من ترابه وأرضه مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وسلكوا كل سبيل يقود إلى تفتيته وعزله عن محيطه القاري وانتماءاته الإقليمية الأخرى، وحركوا ضد قيادته المحكمة الجنائية الدولية ومعه عدد من القادة الأفارقة من أجل إهانتهم وكسر شوكتهم، لكن السودان قدم رغم كل هذه المؤامرات تجربة عظيمة في الصمود والتصدي، ومضى بكبرياء مرفوع الرأس، وصار ذلك مثالاً للشعوب الحرة والدولة التي تنافح من أجل حريتها وكرامتها.
> فإفريقيا التي تجتمع أحزابها السياسية في الخرطوم، تبحث عن ذاتها، وتعمل من أجل مستقبلها، فهذه القارة التي تنهض من تحت الرماد والحريق والبؤس وثالوث الجهل والفقر والمرض، تقف عندنقطة انطلاق جديدة تستلهم من تاريخها ونضالاتها الطويلة وتسير تحت هذه القناديل المشتعلة نحو غاياتها ولا تلتفت للوراء، فالمستقبل الذي ينتظر شعوب القارة لا يمكن صناعته إلا بالوحدة ووضوح الرؤية والتعاون والتكاتف والتضامن الإفريقي، فهو ليس شعاراً ترفعه الكيانات السياسية، وإنما حقيقة واقعة جسَّدتها القارة في فترة النضال ضد الاستعمار وتواثُق حركات التحرر، ووعد به الآباء المؤسسون للعمل الإفريقي المشترك، فإن كانت هناك عقبات قد وضعت أمام هذا الطريق من القوى الدولية الاستعمارية الحاقدة، فإن القارة اليوم تبدو أكثر وعياً بقضاياها وهمومها ومشاكلها، وليس هناك أكبر ولا أكثر تأثيراً من إلتئام الأحزاب السياسية الإفريقية التي تمثل وعي الشعوب وحركتها ورأيها وتطلعها، فلم تعد هذه الأحزاب مرهونة للدوائر الغربية التي تريد سلب واستنزاف موارد القارة وحبس إرادتها الحرة، لقد ولدت إفريقيا جديدة تدرك حقيقة ومرارة الواقع وإحباطاته ومشاكله، وتعلم كيف الطريق نحو الغد المشرق وصناعته.
> ولذا كانت الكلمات الافتتاحية التي قُدمت أمام الجمعية العمومية في استهلالاتها أمس، من رئيس المجس الوطني البروف إبراهيم أحمد عمر ومساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الوطني – الحزب المضيف – تحمل هذه المعاني الكبيرة، فقد اهتدى الجميع إلى الشعارات الحقيقية التي يجب أن يلتف حولها الأفارقة، فلن تكون إفريقيا موحدة ومزدهرة إذا لم تتوحد إرادتها السياسية وتكون أحزابها مدركة لحقيقة الواقع وتحدياته وصعوباته وعالمة بكيفية الخروج إلى آفاق الاستقرار والنهضة، وكيفية تحريك الشعوب وشرائحها وقواها الحية خاصة الشباب والمرأة والاقتصاديين والإعلاميين والسياسيين، ولتستطيع إفريقيا بناء وحدتها وترسيخ الحكم الرشيد والديمقراطية ورسم معالم الطريق للغد المشرق المنتظر، إذا لم تبدأ الأحزاب بنفسها وتقوي من بنائها وقدراتها وتنتبه لما تتطلع إليه الشعوب، فما تزال القارة موبوءة بالحروب والصراعات والانقسامات، وبالفقر والتخلف وتحتاج إلى قيادات قوية وصلبة وقادرة على إدارة دفة الحكم حتى تصل إلى ضفاف آمنة وتنطلق منها إلى ما تريد..
> هذه الاجتماعات تمثل بارقة أمل قلَّما توجد في السماء الإفريقية الملبدة بالغيم والسحب السوداء الداكنة، ودخان النزاعات المسلحة، وسانحة يجب اغتنامها حتى تتوحد القارة وراء أهداف واضحة وتنسيق مستدام وعمل مشترك قوامه التعاضد والتعاون والوحدة. فالطريق طويل وشاق.. فإذا كانت البداية صحيحة، فالوصول إلى الهدف سيكون قريباً ..