مقالات متنوعة

رقية أبوشوك : (منو القال)… (القروش ما بتقوم في الشجر)؟؟

لفت انتباهي أمس الأول إعلان بالصفحة الأولى لـ(المجهر) من مصرف المزارع التجاري يقول (منو القال.. القروش ما بتقوم في الشجر؟؟)، وقد تجمل الإعلان بصورة (للتراكتور) مع توزيع كمية هائلة من (الخمسينات) ملفوفة في شكل بالات يصعب حملها.. هذه البالات وزعت على الحقل الذي تزين أيضاً بالخضرة.
المصرف يعلن عن التراكتور، وهي دعوة للمزارعين للتوجه إلى البنك لشرائه، ليحصل على كل هذه البالات النقدية.. نعم (القروش) تقوم في الشجر كما تقوم بقية المحاصيل الأخرى في الأرض، فعندما تتوفر (القروش)، فبالإمكان أن يتحصل المزارع أو أي شخص آخر على كل متطلباته ولا يتوقف عند شراء أي من احتياجاته طالما أن (القروش) متوفرة.
وأذكر هنا عندما كنا صغاراً بمنطقة “كورتي” بالولاية الشمالية كان يعجبني جداً التراكتور ودرب التراكتور الذي يرتسم على الأرض في شكل (سبعات وتمنيات)… كنا نتابع (دربه) حتى نعرف أين دخل، وعندما يدخل (الساقية) أو (السبيقة) المعنية فإن الأرض يتم حرثها في دقائق لتكون جاهزة للزراعة.. هنا حتماً تقوم القروش في الأرض.
هذا الإعلان قادني للكتابة عن ضرورة الاهتمام بالزراعة وتوفير المال اللازم لنجاحها وكثيراً ما كنت أقول إن المال عصب الحياة للزراعة، فهو كالماء تماماً الذي خلق الله منه كل شيء حي.. والاهتمام بالقطاع الزراعي يجب أن يبدأ بتوفير التمويل للعمليات الزراعية.. فالزراعة مكلفة للغاية لكن عندما نوفر معيناتها فإن ذلك سينعكس على الإنتاجية العالية، والإنتاجية تؤدى إلى كسر حاجز تكلفة الإنتاج، فعندما يكون الإنتاج عالياً سيكون العائد المادي أكبر ومجزياً، وبالتالي فإن المزارع لا يشعر بارتفاع تكلفة الإنتاج.
الزراعة في السودان أهملت حتى تركها المزارع الذي يعشق الأرض ويقاتل من أجلها.. البعض منهم باع (أفدنته) والبعض حولها إلى أراضٍ سكنية ولسان حاله يقول للزراعة (أهواك من جواي ولكن الظروف أجبرتني على الهجران).. فعدم توفر معينات الزراعة وراء الهجران.
السودان دولة مؤهلة زراعياً من ناحية الموارد الطبيعية التي حبانا الله بها.. فالري الانسيابي المذهل قادر على أن يحول الأرض إلى خضرة وقمح ووعد وتمنٍ بالإضافة إلى الأرض الخصبة والعقول المميزة في العمل الزراعي، فحتى مزارعي السودان لديهم مقدرات هائلة في رسم ووضع القرارات، خاصة وأن الكثيرين منهم يحملون الشهادات الجامعية، وحتى الذي لم ينل شهادة جامعية فإن التجارب أثقلته وجعلته أستاذ الأجيال في العمل الزراعي يعرف متى يزرع ومتى يتوقف ومتى يبدأ في الري ومتى يتوقف وكم يحتاج محصوله من السماد.. بل ويذهب لأكثر من ذلك في أن يعرف مدى نجاح ما قام بزراعته.. فالعلم يبدأ وينتهي منهم.
وإذا أردنا استنباط عينات جديدة ذات إنتاجية عالية فلدينا مقدرات وكفاءات عالية في هذا المجال، فقط ينقصهم المال فبإمكان هؤلاء العمالقة إنتاج عينات أكثر إنتاجاً وأكثر ملاءمة للأجواء السودانية المتقلبة ذات الشتاء القصير والصيف الممتد.. فقط وفروا (القروش) لتقوم في الشجر.
أيضاً قطاع الثروة الحيوانية بحاجة إلى حراك.. فالسودان يحتل المرتبة الأولى في أعداد الثروة الحيوانية، (أنا من منحه هذه المرتبة)، لأنني كلما سافرت إلى الولايات براً أرى الكم الهائل من القطيع الذي يسير في اطمئنان لكون مراعيه طبيعية، ومن ثم تتجلى عظمة الخالق الذي أبدع في خلقها وجعلها تسرح وبعد أن تشبع تستريح، ليتجسد الجمال الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في الآية رقم (6) من سورة (النحل).. قال تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ).. فالمواشي السودانية معروفة عالمياً بجودة إنتاجها وخلوها من الأوبئة بشهادة منظمات الصحة العالمية، فنحن لم نستفد من كل هذه الميزات لنصدر لحوماً حية ومذبوحة وبالتالي تمتلئ خزينتنا (بالقروش).. أتمنى أن نستفيد من كل الميزات التي يتمتع بها سودان العزة والكرامة.