طه أحمد أبوالقاسم : جماع .. وسد النهضة
تتدافع النيل من عليائه .. يحدو ركاب الليالي وهو عجلان …..
تأملوا معي .. هذا التعبير .. لشاعرنا المرهف الشفيف ادريس جماع .. وكيف أدخل مفردة التتدافع .. اشارة الى عنفوان النهر .. وتحرره من القيود .. يستخدم الانجليز المفردة فى نشرات اخبارهم لوصف نفرة الحجيج من مني .. ورمي الجمرات .. خاصة اذا كان هناك ضحايا .
جلس شاعرنا فى الهضبة الاثيوبية .. يشاهد ثورة وفوران المياة .. وكيف يمر النيل الازرق .. مسرع الخطا .. استخدم هذة الكلمة الميكانيكية تعبيرا صادقا.. ويمزجها بحداء الابل .. عابرا سهول السودان .. ولكن هل سيكون نيلا أزرقا ..؟؟ أم يصبح أيضا .. نيلا ابيضا .. بعد أن يتم ترويضه فى ممرات سد النهضة .. وانهاء زمجرة النهر .. ويخضع لوصفة الهندسة الطبية .. ثلاث قطرات عند اللزوم
وضعنا نهاية لقصيدة شاعرنا جماع … حيث أصبح النيل مكسور الخاطر .. متسكعا .. .. اضعنا منحتنا لتعلية خزان الروصيرص .. انتظرنا تنفيذها عشرات السنيين ..
فى الماضى عندما كنا فى مدينة عطبرة .. كان نهر العطبرة يأتي الينا مسرعا .. حاملا الاخشاب .. كان موسما وعيدا.. جدتي كانت مولعة بشراء اخشاب العطبراوي .. وتخزنها فى سقف المنزل رطبة .. صباحا ومنتصف النهار تهبط علينا الضفادع العالقة بالاخشاب .. ولكن فقدنا موسيقي نعيق الضفادع من مسرح سطوح منزلنا بعد قيام السدود ..
تبدل الحال .. وانقطع موسم الاخشاب .. وتحول نهر العطبرا الى نهير .. يغيب .. وتتقطع اوصاله .. وعلينا الاستعداد لحياة جديدة .. فى مسار النيل الازرق .. ولكن هل له من عضلات لتدوير توربينات خزان الروصيرص .؟؟ أهل البيئة .. والاجتماع .. عليهم الاستعداد .. هناك ضفافا جديدة .. وتعديات ..ومناخ جديد .. وتعويضات ..
استطاعت اثيوبيا .. اولا أن تمرر مستنداتها القانونية .. على اساطين القانون فى دولتي المصب .. واسرعت فى تنفيذ سد الالفية ..
عندما بنت مصر السد العالي .. فقدت الدلتا .. وزراعة قطن طويل التيلة .. واخشاب دمياط .. تحول النجاريين الى الخليج .. واشاهدهم فى شارع محمد نجيب فى الخرطوم .. وابناء الفلاحين .. تعلموا تقديم الخدمة لسياح شرم الشيخ ..
هكذا طبع الزمن .. والعولمة .. .. تأتي اليك حتى اسوار منزلك .. علينا أن نحسن التصرف .. وأن لا نعرض مستقبل الاجيال الى الخطر والعوز .. وتتدافع شاعرنا ادريس جماع .. أن لا يكون للهجرة وترك الاوطان .. نهبا للغير ..