احمد المصطفى ابراهيم : قرشي: على أكتافهم (1)
أول مرة أسمع فيها اسم بروفسير قرشي محمد علي يوم كان مديراً لجامعة الزعيم الأزهري يومها كنا نسمع أن هناك مدير جامعة غير عادي ويعتبر باني جامعة الأزهري الحقيقي مع احترامنا لمن سبقوه. وانتشرت في تلك الأيام أخبار مواقفه الصلبة والراجحة وعدم تنازله للسياسيين ولم يرجح كفة السياسة على نظام الجامعة وخصوصاً أيام هوس تمييز المجاهدين. وعدم سماعي ربما لغيابي مغترباً في ذلك الزمان الذي شغل فيه بروفسير قرشي ما قبل جامعة الزعيم الأزهري.
المرة الثانية كان يوم كرمته قريته مناقزا ومن تكرمه قريته وخصوصاً لو كانت قرية في ولاية الجزيرة قطعاً يكون من الناس غير العاديين، ولابد أن تكون أفضاله وأعماله للقرية ومن حولها شيئاً عظيماً. ولقد كانت إعلانات حفل التكريم على الصحف وانتشر خبر الحفل وبدأ السؤال من هو قرشي؟ (يا اخوانا ناس مناقزا ديل بقبلوا كلمة قرية؟ طبعاً أكبر وأجمل من القرى ولكنها ليست مدينة على الأقل بتعريف الحكم المحلي الذي يعتبر المدينة ما زاد سكانها عن الثلاثين ألفاً).
وتمر الأيام وأجد نفسي استاذاً متعاوناً في الجامعة الوطنية والتي تعرف بجامعة بروفسير قرشي رغم انه مديرها وشريك مع عدة شركاء وليس مالكها الوحيد كما فلان.
كل هذا لا يكسبك معرفة بالرجل وقد تبهرك الجامعة بنظامها وتطورها ونظافتها فهي جامعة جودة التعليم العالي في السودان (ليس كسير تلج ولكن هذه جامعة كما قلنا مرة كاملة الدسم وليس من رأى كمن سمع).
كل هذا لا يكفي أن تعرف الرجل ولكنك تسمع كل يوم حكمة أو جملة أو موقف وكلها غير مشبعة وليست كافية.
ويأتي يوم أهداني فيه كتاباً مصقولاً وحسبته مصقول الغلاف فقط، ولكنه مصقول الغلاف والصفحات حساً ومعنىً. عنوان الكتاب (على أكتافهم – سيرة ذاتية وتأملات – أ.د. قرشي محمد علي).
إذا كانت سيرة بعض الناس ورقة أو ورقتي A4 فسيرة قرشي كتاب صفحاته 290 صفحة. كتبها كما لم يكتبها أحد قبله، على الأقل في حدود معرفتي المتواضعة. ومن منْ الناس يجرؤ أن يسجل كل مراحل عمره منذ الطفولة بهذه المهارة وهذا الصدق؟
صراحة وضع الرجل لبنة من لبنات التوثيق أتمنى أن يسلكها كل علمائنا لأن فيها من الدروس ما لا يجد مكانه في القاعات. ولكن من هو الذي يملك هذه الذاكرة (ما شاء الله عيني باردة). سنتطرق للأسماء والمواقف لاحقاً ولكن هذا الرجل وضع مثالاً يصعب تقليده من كثيرين وهذا لا يعني أن ليس له مثيل قد يبهرنا إخوة له بمذكرات تفوق هذه المذكرات لغة وصدقاً وعبراً.
بقليل من الجهد يمكن أن تنشطر من هذا الكتاب عشرات الكتب ومئات المقالات والتي يمكن أن تضمن في منهج دراسي إن لم يكن في جانب الأدب وهي جديرة به لسلامة اللغة وحلاوتها. غير أن ما يقتبس منها في السياسة والعلوم كبير جداً.
أعد بأن أولى هذه المذكرات ما أستطيع في مقالات لا أدري كم هي لذا كتبت أعلاه (1) وتركتها مفتوحة.