محجوب عروة : السادس من أبريل أسرار وعبر -1-
فى صباح مثل هذا اليوم من عام 1985 استجابت القوات المسلحة الباسلة لهتاف جماهير الشعب السودانى المطالبة بالحرية والديمقراطية والتى خرجت فى مواكب مشهودة لبضعة أيام حسوما واعلن المشير سوار الذهب احياز القوات المسلحة للشعب..حدث ذلك حين فشل موكب الردع وتاكد للجيش الباسل ان النظام المايوى ورئيسه النميرى الذى وصل من أميركا للقاهرة لم يعد لهما الشعبية والشرعية لادارة البلاد بعد ان أخذا فرصة ستة عشر عاما فى سدة الحكم..أذكر تماما أننى كنت فى ذلك الصباح اناقش من كان معى فى سجن شالا بالفاشر وأقول لهم قبل اذاعة البيان أن الجيش سيستجيب لنداء الشعب وكان قياديين سياسيين ممن كانوا معى فى العنبر – رحمهم الله- يقولان عكس ذلك ويؤكدان أنه لا توجد قيادات عسكرية لها الجرأةلاوالشجاعة ستطيح بالنميرى الذى صفى قيادات الجيش من العناصر الصلبة فقلت لهما انه مازال بالجيش رجال صناديد يدركون معاناة شعبهم وسينحازون اليه فى الوقت المناسب ودليلى على ذلك اولئك الضباط الذين كانوا يحرسوننا كمعتقلين فى سجن شالا الذى كان قد أحيط بالدبابات خوفا من هروبنا كما كان يدعى ذلك المسئول الكبير الذى لعب دورا أساسيا فى اعتقالنا وكان يظن انه الوريث للنميرى بتعاون مع جهات خارجية يبدو انها وعدته كما ظهر لاحقا بعد أن قدم لها خدمات جليلة مشهورة وظهرت كفضيحة كبرى بجلاجل فيما بعد!!؟؟ كان الضباط الذين كانوا يحرسوننا ويراقبوننا ينزلون الينا من سور المراقبة ويتبادلون معنا تقييم الوضع السياسى فى صراحة متناهية أدهشتنا ويتفقون معنا على الفشل والفساد الذى أصاب النظام المايوى وعلى ضرورة التغيير، بل اذكر تماما اننا عندما كنا على متن الطائرة التى أقلتنا من المطار العسكرى فى الخرطوم الى سجن شالا بالفاشر نهاية شهر فبراير بعد اعتقالنا ليلا وتجميعنا فى بيت الضيافة وفى الطريق جوا استدعى قائد الطائرة أحدنا من كبار السياسيين المشهورين جدا وأسر له بحديث فعاد ذلك السياسى مبتهجا ومسرورا فسألناه عن سر ذلك فرد بالقول: قال لى قائد الطائرة : ستعودون قريبا جدا!! كل ذلك كانت بالنسبة لى مؤشرات بنهاية نظام النميرى.. وقل اللهم مالك الملك.. وان أنسى لن أنسى انه بعد عودتنا من سجن شالا بعد نجاح الانتفاضة بيوم كانت مجموعتنا اول من عاد بالطائرة وكان على رأس مستقبلينا فى المطار الحربى ( العقيد عمر حسن أحمد البشير) والذى تكرم علينا مشكورا بشراب بارد فى حجرة الاستقبال وكنا عطشى ومرهقين و لاحظنا ان ذلك الضابط المشهور حينها بالعقيد (عمر حسن) كان سعيدا جدا بقدومنا سالمين و كان يتحدث مبتهجا بانتصار الانتفاضة ثم أرسلنا مع سائق بسيارة خاصة لمنازلنا كلا على حدة وقد علمنا لا حقا بعد فترة أنه كان من الضباط الذى ساهموا مساهمة كبيرة فى نجاح الانتفاضة ليس ذلك وحسب بل قام بدور أساسى فى اجهاض حركة عسكرية سرية أخرى كانت تهدف الى سرقة الانتفاضة لصاح جهة خارجية مشهورة كانت لو نجحت ستدخل الجيش والبلاد فى نفق مظلم وفتنة سياسية لا يعلم مداها الا الله. وقبل أن أستطرد فى تحليل انتفاضة أبريل المباركة يسرنى أن أعيد نشر مقال كتبته يوم الثانى عشر من أبريل 1985 فى جريدة الصحافة نشره لى مشكورا رئيس تحريرها الاستاذ المحترم فضل الله محمد أنشره غدا باذن الله لأنه يشكل لى ما ظللت أعتقده وما يمكن أن نستخلصه من عبر الانتفاضة وكان بعنوان (أيها السياسيون هذا أو الطوفان)..
اواصل غدا.