منى سلمان

تموت تخلي


(تموت تخلي) و(الشقيّانة) بجانب (المركوب) بمختلف فصائله (نمر) و(اصلة) و(فاشري) .. اسماء لا مؤاخذة لـ (نعال في حياتنا) كانت جزءا مما يلبسه اباءنا وأمهاتنا الاولين، فـ (تموت تخلي) كان عبارة عن حذاء مصنوع من مخلفات عجل السيارات والدراجات، وسمي بذلك لشدة متانته التي تبالي بالعمر فيبلى العمر حتى يموت صاحبه ويترك الحذاء من بعده للورثة ايهم كان يلابسه أو (قاسو وطلع مقاسو)، أما (الشقيانة) فكانت عبارة عن شبشب بسيور جلدية، وهي عبارة عن سيرين يفرقان الأصبع الكبير عن باقي أصابع القدم، ثم تطورت مع الزمن لتسمى لاحقا بالسفنجة نسبة للمادة الأسفنجية أو البلاستيكية المصنوع منها الشبشب، ومن أنواع السفنجة نوع يسمى بـ (القمر بوبا) وهي من مادة بلاستيكية شديدة الكثافة، ورغم متانتها إلا أنها كانت ثقيلة الوزن حتى تغنى الشاعر عن رقة محبوبته التي لا تحتمل لباس شبشب القمر بوبا قائلا (القمر بوبا عليك تقيل) ! أما الشقيّانة فربما تطورت لشكل الشبشب النسائي ذو السيرين الذي يسمى بالسحسوحة .. وعموما كانت النساء تكتفي بلبس الشباشب، أما الرجال فكانوا يلبسون المركوب و(التموت تخلي) أو الجزمة لمن استطاع الي ثمنها سبيلا ..
كل ذلك كان قبل أن يدخل الحجاج ومغتربي السعودية الشبشب الجلدي الرجالي الانيق الذي تعود أهل الحجاز على لبسه مع الجلباب، كما كان الفضل لمغتربي ليبيا في ادخال موضة الشباشب الرجالية الجلدية الليبية العظمى، وذلك لتميزها بالكعب الضخم المكعب، الشهيرة بـ(شباشب ليبيا) والتي لشدة قوتها وضخامة كعبها اطلق عليه الناس لقب (زح لي النتلب)، وذلك في اشارة للتنبيهة الذي يطلقه لابسي هذه الماركة من الشباشب، لبقية الركاب المتواجدين على الارض، حتى يبتعدوا عن الموقع حرصا على اقدام مرتادي المواصلات من الدهس، قبل شروع لابس الشبشب المعني في القفز من على ظهر الدفار أو سلم البرينسة، وهما وسيلتي المواصلات الشهيرة في تلك الايام، قبل دخول موضة الحافلات والهايسات وما اعقبها من هجوم بري للامجادات والرقشات ..
المهم ما علينا، نرجع لمرجوعنا الاولاني، بالمقابل بالنسبة للنساء فقد سادت في بداية الثمانينيات موضة شبشب (الكـركـب)، وهو عبارة عن شبشب نسائي بكعب مرتفع، وتكون ارضيته وكعبه وحدة واحدة مصنوعة من الخشب أو العظم، وله طبيق أو ود عم يسمى (الصندل) ولعله حذاء بواجهة جلدية وأرضية خشبية وله ابزيم يلتف حول نهاية الساق ليربط بجوار عظم الشيطان ..
مع هوجة موضة الاحذية النسائية الضخمة ذات الكعوب العالية، جاءت موضة (الدبابة) وهي شبشب لنعله وكعبه نفس ملامح الكركب، ولكنه أكبر حجما وأرضيته مصنوعة من الفلين أو البلاستيك، ثم عادت الاحذية النسائية للرقة والنعومة والكعب المسماري العالي، هذه الاحذية كانت مخصصة للخروج، أما في داخل المنزل أو الحركة وسط الحي فتلبس النساء السفنجة وجزمة (الزيزي) أو (العروسة) وهي جزمة بلاستيكة مصرية المنشأ ..
بجانب كل تلك الموضات ظلت الجزمة الجلدية التي تلمع كالزجاج المصقول – انجليزية كانت أو ايطالية – محتفظة بمكانتها العالية كـ مظهر من مظاهر الرقي والحضارة، وذلك لأن أسعارها كانت ? بيني وبينكم مازالت ? ليست في متناول يد إلا فئة الميسورين وأرباب الغني والراحات، ويقابلها عند الرجال أنواع مختلفة من الجزم .. (جزمة كبس) و(جزمة كشف) و(جزمة برباط) ..
أما بخصوص صغار السن وطلاب المدارس، فقد كان (شبط الشدّة) لباس ساير أولاد البلد، وهو حذاء جميع اجزائه مصنوعة من البلاستيك، كان ذلك قبل أن تدخل موضة الجزم الرياضية الخفيفة المصنوعة من القماش، وتسمى بـ (الباتا) منها ما له ارضية سميكة وعنق طويل تقارب حوافه كعب الشيطان ويسمى (الكبك) ..
كل تلك (الفذلكة) التاريخية .. فذلكة دي بتركب هنا وللا ختفتها ساي ؟ المهم كل تلك المقدمة التاريخية، سقتها مقدمة للشكوى لـ (الله) وبس فالشكوى لغيره مذلة، وذلك لسوء ورداءة الموجود في اسواقنا هذه الايام من ماركات وأنواع الاحذية .. فقد اختلط حابل الايطالي الاصلي مع نابل التايواني التقليد، وبينهما يقدل الصيني المضروب ..
لاكثر من مرة وقعت فريسة لنصب بائعي الاحذية الذين يحلفون بغليظ الايمانات وتالت الطلاقات أن بضاعتهم أصلية، وان الحذاء الذي ستشتريه منهم حتما ولابد من أنك سـ (تموت وتخلي)، فأدفع بقلب قوي المبلغ المطلوب واعود بالشبشب الجديد، ولكن في نهاية أول مشوار به أعود للبيت (سكّرج) أعرج بفردة في قدمي وأخرى مقطوعة في يدي !!
رغم ان العام الدراسي لم يكمل شهره الثاني بعد، أبلى كل واحد من عيالي حذائين من النوع اياه ودخلوا في الثالث ! البضائع المغشوشة زادت طين المعاناة بله فلا مواصفات ولا ضوابط تحمي المستهلكين من وارد تايوان والصين !!
(أرشيف الكاتبة)