هاشم كرار : جيتك يابن سيف! (2)
(امبراطور مايكروسفت).. هذه الإمبراطورية الدقيقة والعملاقة ذات
(الويندوز) المفتوحة على الدنيا- يا بن سيف- كان قبل سنوات قد أدهش أساتذة وطلاب جامعة ( أوستن) في تكساس، وحشد من الاقتصاديين، ورجال الأعمال، وأصحاب الثراء، وهو يحاضر عن فن بناء الامبراطوريات المالية، وعن اقتصاداتها، وفنون الإدارة، والتوظيف.
ابتسم غيت، وهو يقول: عادة اختار الكسول، لتأدية أصعب الأعمال!
ارتفعت حواجب. ارتسمت علامات تعجب واستفهام. سرت همهمات، واحتلت ابتسامات
أمكنتها الآئقة في الكثير من الوجوه، وكان غيتس، لا يزال يوزع عينيه،بين الحضور، وفي فمه تتسع الإبتسامة!
استند بيديه الإثنتين، على طاولة الحديث: لا. لا تستغربوا.. الكسول عادةينجز العمل بأبسط الطرق، وبسهولة!
تلك فلسفة ثالث أغنى أغنياء العالم، في فن التشغيل.. وهي شهادة عالية،من رجل خبر بناء الإمبراطوريات المالية، وخبرته.. شهادة يعتز بها أيكسول، في هذه الدنيا..
الكسل أنواع. هنالك كسل العقل، وهنالك كسل الجسد، وهنالك كسل الروح،وربما يقول من هو أنشط مني فهما، ان هنالك غير هذه الأنواع الثلاثة،أنواع!
مهما يكن، بيل غيتس تحدث إجمالا عن الكسل، ولم يدخل في التفاصيل، ربمالأنه يمتاز بهذه الصفة، وهو لو لم يكن كذلك، لما استطاع أن يبني واحدة منأعظم الإمبراطوريات المالية في العالم، بأسهل الطرق!
الحضور الكثيف، الذ ي كانت قد استبدت به ضحكات همهمات- وغيتس يتحدث عنسبب اختياره للكسول لانجاز الاعمال الصعبة- لم يسأل (الإمبراطور) عن أينوع من الكسالى يختار: كسول العقل أم الجسد أم الروح، أم من يمتلك هذه
الانواع الثلاثة جميعا، أم من يمتلك غيرها.. لا. لم يسأل أي أحد منالحضور، ربما لأن أي أحد من ذاك الحضور، يتمتع أساسا بصفة الكسل!
فلسفة بيل غيتس، قد تتفق أنت معه فيها، وقد لا تتفق، لكن غيتس الذي ألقىكلمته ومضى إلى شأن آخر، لا يعنيه اتفاقك أو اختلافك.. مايعنيه أنك لوكنت أنت كسولا، لاختارك أنت- أيها الكسول- لإنجاز الأعمال الصعبة.. هذابالطبع، لو كنت أنت أحد موظفيه، في الامبراطورية التي لا تغلق أبوابهاإطلاقا!
هل السودانيون كسالى، يابن سيف؟
أنظر إليهم ياصاح: إنهم مثل غيرهم من خلق الله، يصحون مع الديك يطلبونالرزق، في البرد وتحت المطر، وفي الحر الذي يلوي ذنب الضب. أنظر إليهم،إنهم يصنعون الدبابة، والطائرة دون طيار، والسيارات أمجاد.. أمجاد ياعربأمجاد.. أنظر إليهم، إنهم ينحنون إلى الأرض، يبذرون البذرة في ملايين
الهكتارات، حتى انحنت ظهورهم. انهم يحفرون الترع، ويشيدون السدودالعملاقة، ويردون على أوكامبو بالحلاقيم تلك التي من فصيل (الساوندسيستم) الرد بالسد السد. أنظر إليهم إنهم ظلوا يتقاتلونبشراسة- شمالا وجنوبا- منذ ما قبل الاستقلال، وحين أطفأوا النيران بينالشمال والحنوب، هبوا يتقاتلون في دارفور، التي هي وحدها بمساحة فرنساوبلجيكا، ولم تفلح كل قوات الأمم وإفريقيا في إطفاء النيران المدلهمة.
أنظر إليهم- ياصاح- إنهم يصلون الخمس وزيادة، يحجون البيت، ينحرون،يكرمون الضيف، يحمدون رب الناس في كل الاوقات، يتناسلون، يتكاثرون،يضربون غرائب ابل الغربة إلى فجاج الدنيا أطباء ومهندسين وإعلاميين
وأساتذة جامعات وفنيين وعمالة ماهرة، وأخرى على باب الله، طاهرة اليدواللسان، تفيض خلقا، وبساطة، ومروءة!
هل السودانيون كسالى؟
أجل.. إنهم لكذلك.. وفي ظني أن بيل غيت ما توصل إلى فلسقته في فن التشغيل،إلا عبر سوداني: ضحك غيتس من واحدة من النكات التي تسبغ الكسل علىالسودانيين، ونادى على( عسمان) يا ( أسمان كم هيا) وحين جاءه عثمان، أمرهأن ينجز عملا، أرهق غيره في ( الإمبراطورية).لدهشة غيتس، أن (أوسمان) أنجز العمل بكل سهولة.. ودون أي نوع من التعب!
التمعت الفكرة في ذهن بيل.. قال قولته المشهورة في ذهنه أولا.. وقالهاثانيا، في جامعة( اوستن) والحضور الكثيف يرفع حواجبه.. وبين القولين، كانغيتس ينادي- باستمرار- على (أوسمان) كلما فشل الآخرون في إنجاز عمل صعب،ومتعب!
يديك العافية يا (أوسمان) (ما قصرت والله.. ما قصرت)!
بن سيف، عليك بالسوداني الكسول، إنه يتفجر نشاطا ذهنيا ووجدانيا- أكثر من غيره- حين يقرأ مقالاتك الذكية.. الطاعمة!