منى سلمان

ذئاب بشرية


انطبق الكي مثنى وثلاث ورباع وإلى مالا نهاية، وتكررت الاعتداءات الوحشية على فلذات الاكباد، بعد ان تجرأت ذئاب البشر وخلعت عنها كساء الخوف والحياء من الله والقانون، وكأنها امنت عواقب سوء الاعمال، فقديما قالوا من امن العقابة اساء الادب، وإلا كيف نفسر تكرار جرائم انتهاك طفولة وبراءة الاطفال ثم سلبهم حتى حقهم في الحياة ؟ فقد كاد يتحول الامر من حوادث فردية شاذة، إلى ظاهرة تستحق كامل الاهتمام والجهد لدراستها وبذل الغالي والنفيس في سبيل محاصرتها ومحاربتها ..
كنت وما زلت اشعر بالحساسية ضد نشر وتداول اخبار الجريمة في وسائل الاعلام، وذلك لانها تعكس حوادث فردية معزولة قابلة للحدوث في كل مكان وزمان، فـ (تدق لها الطار) وتظهرها وكأنها أمور تحدث يوميا حتى تعود الناس عليها كتعودهم على الاكل والشرب، فما اهمية ان تقوم امرأة بدس السم لزوجها، أو ان يهبت الرجل زوجته بعصا على ام رأسها في ساعة غضب، أمام ملايين البيوت الآمنة المحفوفة بالاستقرار والطمأنينة، التي ينام المرء فيها ملء جفنيه لا يخاف إلا الحرامي وشح الماء أو قطعة الكهرباء ..
وما معنى أن نروج لحادثة يقتل فيها الرجل احد والديه، أو الوالد احد ابنائه، بينما يربط (حبل المودة) جميع أسرنا برباط الرحمة والمحنة والبر المتين ؟!
ففي ظني ان بعض اسباب جرأة الذئاب البشرية، هو الترويج الاعلامي وتسليط الضوء الكبير، الذي صاحب بعض جرائم الاعتداء على الاطفال التي حدثت مؤخرا، فقدمت تلك الوسائط دون ان تدري خدمة ترويجية لبقية المعتدين، وان كان ذلك بحسن نية فهذا لا يشفع لها، على طريقة شيخ المسجد الذي نبه المصلين لضرورة محاربة مكان بيع الخمور الذي فتح حديثا بقريتهم، فتوجه بعضهم بعد انتهاء الصلاة جريا للمكان المعلوم واخبروا صاحبه بـ (ما كنا عارفنكم بي جاي ونساسق للبعيد إلا بارك الله في مولانا الورانا ليكم تاني يانا المتكاملنكم ) !!
فقد فتحت تلك الاخبار شهية ضعاف النفوس لخوض التجربة، خاصة ان نفس تلك الوسائط الاعلامية لم تهتم بمتابعة محاكمات المعتدين، ولم تغط بنفس الكثافة الاحكام الرادعة التي نفذت في حقهم، وبالتالي تكون قد قامت بالترويج لفعل دون عكس سوء عواقبه ..
هذا لا يمنع ان يكون جزء كبير من المشكلة مرتبطاً بالوضع الاقتصادي المتردي، وصعوبة الوصول لبر الاحصان لكثير من الشباب، بالاضافة لضعف الوازع الديني وانتشار المخدرات، وغيرها من امراض المجتمعات المضغوطة اقتصاديا المقهورة فكريا ..
اتكاء بعض اولياء الامور على قاعدة (الحذر لا يمنع القدر)، و(الصغير ما بتحارث) و(الشفع احباب الله وحارساهم الملائكة)، قد تسوقهم في بعض الاحيان للاهمال في رعاية الاطفال، فمن اشد ما آلمني في حادثة (رماز) قول والدتها أنها قد سمعت بما حدث لمرام واخواتها من قبل، ولكنها لم تتخيل أن يأتي الدور ويحدث ذلك مع صغيرتها !! ما معنى ان ترسل أم طفلة صغيرة في الخامسة او السادسة خارج البيت، في وقت تكون فيه الشوارع عادة في رمضان شبه خالية من المارة، الا وهو قبيل غروب الشمس بقليل ؟
بشاعة الجريمة لا يجب ان تعمي اعيننا عن مغبة التفريط والاهمال في الاطفال، خاصة في زمن صار الشخص لا يطمئن فيه على صغيره حتى مع نفسه .. ما زال الكثير من الصغار يعانون من الاهمال و(التطمش) بين البيوت، يدخلون إلى هذا البيت ويخرجون ليدخلوا ذاك، وهناك من الأمهات من لا تهتم بالبحث عن صغارها أو مكان لعبهم، منذ خروجهم في الصباح وحتى مواعيد لجوئهم للفراش .. الشيء الآخر الذي لفت نظري وأود أن الفت اليه انظار الامهات، فقد لاحظت ان كثيراً من الزهرات الصغيرات يسمح لهن بارتداء الملابس الضيقة المكشوفة أو عارية الاكمام، بحجة انهن (لسه صغار)، ويسمح لهن باللعب المشمول بالاحتكاك والتواصل الجسدي، أو تسلق ظهور اقربائهن وبني جيرتهم من الصبيان .. هذه الافعال البريئة والله واحدة من مداخل الشيطان.
ايتها الأمهات فلندع سياسة التواكل والاهمال في رعاية العيال، ولنفتح أعيننا باتساع (الريال أب عشرة) .. ابقوا عشرة على مصارينكم ما تنهشا ليكم الذئاب .. أما قبيلة الاعلام فالوصية في الذمة أن تقوموا بحملة تغطية واسعة لسوء عاقبة فعلة اولئك الذئاب عندما تتم محاكمتهم، لتكون عظة وعبرة لمن يعتبر فنحن الأمهات لن تبرد لنا بطن حتى تنصب لهم المشانق في الميادين العامة !
(أرشيف الكاتبة)