وما زال الإمام أبوحنيفة رهن الإعتقال!!!
< هل جربت عزيزي القارئ يوماً كيف يعجبك رأيك واجتهادك ومعتقدك الفرداني؟، هل جربت نشوة الإعتداد بالرأي الشخصي وأنت ترفع رأسك في خيلاء وتملأ المايكرفون والحضور بما لذَّ وطاب من النصائح والأحاديث والاجتهادات غير المفحوصة؟ هل جربت يوماً المراء المثقوب وأنت تتلفت يميناً ويساراً مستدراً للإعجاب والتصفيق، هل جربت يوماً كيف يركبك الشيطان في زهو بائس وأنت تفتي في سعادة فقط لأن الذين تحتك يأكلون من ثمراتك وامتيازاتك؟ ولا يستطيعون النطق بلاء الكرامة ونعم المناصحة، هل رأيتهم كيف يطأطئون الرؤوس خافضين المجد الداخلي والإعتداد والفحولة، وهل رأيتهم كيف يصمتون حين تقول؟ مبتدرين العزف الكذوب غير النشاذ متطابقين وقع الحافر على الحافر والوتر على الوتر مع سيمفونية البطل الأوحد المفدى المبجل الذي لا يسلك طريقاً إلا سلك الخطأ سواه. < هل < هل < هل ألف سؤال لا يسمعها الطغاة على الحد الأدنى والحد الأقصى والطواغيت يبدأون من البيت حتى الخلافة العامة والرئاسة.. الأب الطاغية الذي ترتجف أمامه الزوجة ويرتجف الصغار وهو بلا علم ولا دين ولا خلق ولا إنفاق، إستبداد يحول البيت إلى مجزرة لا تغلق أبوابها لا آناء الليل ولا أطراف النهار.. < وهنالك الأم السليطة الطاغية تلك التي تحيل كل نفيس إلى خسيس وكل حق إلى باطل وكل معقول إلى مجهول.. < وهنالك المعلم الذي يبدل فصاحة الصوت إلى عجمة السوط .. هو طاغية حين يحسب أن تلاميذه مجرد مشاريع للردع اليومي الذي يمارسه في بساطة مثل مقارفة الدخان وقبض أتاوات الدروس الخصوصية التي يقبل عليها باخلاص لأنه ينام في حصص ودوام الحكومة ويناور ويتظارف لزوم التسويق. < وهناك الوزير والوالي الطاغية الأملس الذي ينقل مصادر قوة وزارته وولايته الى مكتبه الخاص، فإن كان محامياً تصير ساحة وزارته دائرة للتسويات وجمع رؤوس الغرماء بالحرام وتتحول مكاتب وزارته إلى مكتب للاستشارات ودراسات الجدوى والترغيب والترهيب والرضى من العدالة بالحد الأدنى والخوف من الظلم بتنصيف غضبة اللئيم. < وإن كان مهندساً صارت وزارته مسرحاً للرسم الهندسي وفتح المناقصات سراً واستقطاب التمويل والشركاء خدمة لشركته وشركائه الظاهري منهم والباطني. < وإن كان طبيباً تحولت كل مواهبه لجمع وكالات الأجهزة والأدوية والأسرة (والشاش) والشاشات.. وإن كان (زول ساكت) جلبته للبؤرة السياسية المؤثرة فرضيات السلاح أو القبلية أو الجهوية أو الإدعاء الحزبي للحزب الحاكم أو للحزب الشريك صنع له ألف (دكانة) من البضائع تبدأ بالزجاج البلجيكي وتنتهي بحصحاص الخرصانة ورملة الخلطة الذهبية في المشاريع القومية التي لا تقدر بثمن، وهى سادتي سلسلة من المصالح المتشابكة ما بين الرسمي وشبه الرسمي والعسكري وشبه العسكري والنظامي وشبه النظامي والعدلي وشبه العدلي.. مصالح لا تنقضي ولا تنقطع ولا تشبع كأنما خلق الله العالم العربي والأفريقي لتكون أنظمته تحالف ما بين الدين والجريمة المنظمة.. لا أحد يسمع لأحد ولا أحد يستشير أحداً لأن الجميع ليسوا سواء.. قديماً كانوا فقراء بالدعوة والآن صاروا أثرياء بالسلطة.. والكل لا يفارق مكتباً أو موقعاً اختطه بنفسه أو اختطوه له لأن المفارقة تعنى الانكشاف للناس ومعاقرة أدب الدين والدنيا الذي لا يجيده، وفوق كل ذلك لا يقرأون ولا يتعظون ولا يبالون وهم يرون في كل يوم ثغر يثلم وثابت يكلم وكبير يلطم وكل شئ لا يكفي ولو فتحت الأمصار آباراً من النفط لا يطاله النضوب وكل دم لا ترتوي منه الحنايا ورمال العدم ولو سالت الأودية كلها من دمعنا ودمنا وعبراتنا فداء للحروب العجف العقيمة، لسنا سواسية في الذي أتفقنا عليه لأننا لم نتفق. لسنا سواسية حتى في الذي اختلفنا فيه لأننا لم نذق حتى كرامة الاختلاف المفتوح والشجاع.. الأمل الوحيد الذي يحفظ للتوثيق والذكرى والتاريخ أن الصادقين في الحكومة والصادقين في المعارضة والصادقين من غمار الناس يرددون أمام الناس وخالق الناس (يوماتي) وهم يعلمون أن السماء لا تغفر للضعفاء والمرتجفين من لظى السيوف في أغمادها والأفكار في أكنتها.. يحفظ لهم أنهم يعترفون بأنا سواسية لكن في التمزق والتشرذم والخلاف والحرب المعلنة وغير المعلنة تلك التي ما صار لنا فيها يد وليس لنا فيها ساعد ولا فتوى تخرج القاعدين صيفاً ولا شتاءاً بعد أن أغتال أنصاف الموهوبين سياسياً (الغبينة) والغنيمة والفكر الراشد الغضوب الذي يستخدم بلا إستنفار حين يفتقد البدر في الليلة الظلماء. لكننا أيضاً سواسية كأبيات الساخر المهاجر: سواسية نحن كأسنان كلاب البادية يصفعنا النباح في الذهاب والإياب يصفعنا التراب رؤوسنا في كل حرب بادية والزهو للأذناب وبعضنا يسحق رأس بعضنا كى تسمن الكلاب.. < وترتيباً على ما فات لا أدري لماذا إذا أصابنا ذلك الحزن في تلك الليلة حين قال الرئيس في الجزيرة أنه تمنى: (أن يكون رئيساً سابقاً)؟ ولأن الناس على دين ملوكها فقد كان الأوجب أن نتظاهر في اليوم التالي (ونحن أيضاً تمنينا يا سيادة الرئيس أن نكون وطناً وشعباً وأمة سابقة).. < الفارق الوحيد ما بين الشعب والقائد أن الشعب لا يستطيع أن يقيم جمعية خيرية إذا حزن أو تقاعد.. < وأخطر من الأزمة وخلاف الشريكين والشعب والرئيس والمعارضة والحزب الحاكم أخطر من كل هؤلاء بكثير أصحاب العلم والفتوى من الدعاة والدكاترة وأحبار المخارج الفقهية والعلماء من الذين يجملون الواقع عبر الفوائض والأسفار، وأنى لهم!! يقولون لأصحاب القرار مثل أحبار النصارى في أعتاب الامبراطور أن الوضع المعيشي لأهل (الصفة) كان أكبر قتامة من هذا بكثير وأن الخلاف ما بين جوبا والخرطوم لم يتجاوز خلاف دمشق معاوية ومدينة إبى تراب وأن الطاعون بعيد بعد أبوعبيدة عن المدينة، وأن كتشنر لم يستصدر الأمر بعد من مجلس العموم وأن إتصال سلاطين بنظار القبائل قد باء بالفشل لأن اللاندكروز المتلاصفة ما زالت هى الأغلى من الوعود المسكوبة.. وأن تعداد أبي حنيفة للأخطاء لأبي ليلى القاضي لم يتجاوز الخطأ السادس. ومن جلائل الاعتبار ما ذكره القاضي التنوخي صاحب نشوار المحاضرة في سيرة صاحب المذهب فقد حدثه الحسن بن زياد اللؤلؤي قال: كانت ها هنا إمرأة يقال لها أم عمران مجنونة وكانت جالسة في الكناسة فمرّ بها رجل فكلمها بشئ فقالت له: يا ابن الساقطين وكان ابن أبي ليلى القاضي حاضر يسمع ذلك فقال للرجل: أدخلها علىّ بالمسجد وأقام عليها حدين حداً لأبيه وحداً لأمه فبلغ ذلك أبا حنيفة فقال: أخطأ في ستة مواضع، أقام الحد في المسجد ولا تقام الحدود في المساجد.. وضربها قائمة والنساء يضربن قعوداً وضرب لأبيه حداً ولأمه حداً.. ولو أن رجلاً قذف جماعة كان عليه حد واحد.. ولا يجمع بين حدين حتى يُجبّ أحدهما.. والمجنونة ليس عليها حد.. وحدّ لأبويه وهما غائبان ولم يحضرا فيّدعيان.. فبلغ ذلك ابن ابي ليلى فدخل على الأمير فشكا له شغب أبي حنيفة الفكري وجرأته على الأحكام السلطانية بلاغ تحت أمن الدولة وتقويض النظام الشرعي لوالي المصر وحاكم الناحية فلم تفت أياماً حتى قدم رسول من ولي العهد النافذ والقادم فأمر أن تعرض على أبي حنيفة مسائل حتى يفتي فيها فأبى أبوحنيفة وقال أنا محجور علىّ (تحت الإقامة الجبرية وممنوع عن حق التعبير والتنظيم والتظاهر)، فذهب الرسول الى الأمير فقال الأمير: قد أذنت له.. فقعد أبوحنيفة فأفتى. ولأن التدبر يأتي بالمماثلة فإن الوضع السياسي الراهن يفيدان بإن أبي ليلى لا يراجعه أحد وأن ولى العهد أو النائب الأول فهو لا يؤمن أصلاً بفتوى أبي حنيفة .. أما أبى حنيفة فهو ما زال محجوراً عليه رغم أن الأمير قد أذن له وهذه هى السابعة والبقية تأتي!!