طه النعمان : (الدار السودانية ).. مشّطَتْ كتاب سلاطين بي قمْلهُ!! (1)
* للسودانيين مثلٌ دقيق وبليغ لتوصيف حالة عدم اتقان العمل والاستعجال المفضي إلى (الكلفتة) لنيل بغية أو جائزة دون تجشم استحقاقاتها، هو قولهم: (مشطوها بي قملُهْ)، أي ضفروا شعرها دون أن يقوموا بواجب تنظيفه من القمل.. بما يخلق من شعر المرأة بيئة صالحة لتوالد القمل وإلحاق الأذي بها.
*ظل هذا المثل يطاردني بين كل صفحة وأخرى وأنا أطالع كتاب سلاطين باشا (السيف والنار في السودان) الذي قامت بإصدار طبعة معربة منه (الدارالسودانية للنشر).. تبيعه في مكتبتها ومقرها الرئيسي في شارع البلدية بالخرطوم شرق بثمانين جنيهاً.
*فرحت، بل طربت عندما اشتريت الكتاب مع كتاب آخر في ذات الموضوع هو كتاب إبراهيم باشا فوزي (الخرطوم بين يدي غردون وكتشنر) يوثق فيه الرجلان لذكرياتهما المؤلمة خلال أسرهما من قبل الدولة المهدية ومعاناتهما الإنسانية في رحاب حكم الخليفة عبد الله.
*الدار السودانية وضعت طبعة (السيف والنار) الجديدة بين دفتي غلاف أنيق ومقوى، يمثل إغراءً للقراء والمشترين.. لكن ما إن توغلت قليلاً في القراءة حتى أخذت تتكشف أمامي عملية الخداع البصري التي شكلها ذلك الغلاف الأنيق.. فالدار المذكورة ـ هي دار النشر ـ لم تكلف نفسها النظر في محتويات المادة التي يبدو أنها صورتها ثم غلفتها وعرضتها للبيع بعد أن عثرت عليها معربة بواسطة جريدة (البلاغ) المصرية عام 1930 اعتماداً على النص الإنجليزي المترجم عن الأصل الألماني لسلاطين باشا بواسطة صديقه وزميله السير ونجت باشا رئيس قلم المخابرات البريطانية في السودان سابقاً، ومعتمد إنجلترا في مصر لاحقاً.
*النص المعرب لا غبار عليه في عمومه من حيث التزامه بما هو وارد في الطبعة الإنجليزية، لكنه معبأ في طبقة الدار بكم هائل من الأخطاء في أسماء قادة الثورة والدولة المهدية والقبائل والأماكن والأشياء المحلية.. وهي أخطاء كما هو (واضح)، نتجت عن عدم إلمام المترجم المصري لجريدة (البلاغ) الذي عرب النص الإنجليزي بتلك الأسماء، فكان ينقلها من الحروف الإنجليزية إلى العربية كيفما اتفق، فألحق بها تشويهاً فظيعاً وباعد بينها وبين أصولها في العربية السودانية.. بما يجعل أي قارئ شاب أو غير مطلع على تاريخ الثورة والدولة المهدية في حيرة من أمره.. وهذا هو الجرم الذي اقترفته الدار السودانية في حق الأجيال الجديدة.. وهذا هو ما لزم وزارة الثقافة أو هيئة الرقابة والمصنفات المسؤولة عن النشر باتخاذ خطوات تصحيحية أو عقابية في حق الدار أو إلزامها على الأقل بسحب الكتاب ومراجعته وتقويمه قبل عرضه على القراء.
وسأقدم هنا نماذج.. هي قيض من فيض.. لتلك الأخطاء القاتلة التي حواها الكتاب.. ولنبدأ بأسماء القادة والأفراد:
*فاسم القائد العسكري المشهور (النور عنقرة) يرد في كتاب الدار السودانية على أنه (نور أنجره).. واسم الأمير (محمد عثمان أبوقرجة) يُكتب على أنه (أبو جرجة أو أبو حرجة) مرة بجيم ومرات بحاء وجيم.. وعمر ود ترجوه قائد الخيالة يُكتب (عمر واد درهو).. والشيخ (القرشي ود الزين) أستاذ المهدي الذي قام على بناء قبته يكتب (الشيخ القريشي).. و(عبد الرحمن بانقا)، التاجر الذي عينه غردون جابياً للضرائب في كردفان، يأتي في الكتاب على أنه (عبد الرحمن بن نجا).. والشيخ (عبد القادر الجيلاني) القطب الصوفي المشهور يكتب على الطريقة العراقية (عبد القادر الكيلاني).. و(عبد الله ود فع الله) الذي قام على تجنيد بعض أهل الأبيض لصالح المهدي يكتب (عبد الله واد ضيف الله).. وزعيم الشايقية (صالح ود المك) يأتي في الكتاب (صالح واد الملك).. أما القائد الشهير (محمد خالد زقل) فيرد ذكره على أنه (خالد زوجال).. وشيخ المعاليا (علي ود حجير) فيكتب (علي واد هجير)
*وهكذا، قليلة هي الأسماء التي وردت صحيحة، واقتصرت على أسماء القادة المصريين أو الإنجليز المشهورين الذي عملوا في مصر.. أما أسماء الأماكن والقبائل التي أصابها الاضطراب والتخبط، فحدث ولا حرج.. كما سنرى في الحلقة التالية من هذه الإضاءة.