منى سلمان

اخديهو علي قدر عقلو


هناك من العلماء من يشترط حصول الزوجة على إذن مسبق من زوجها قبل خروجها من بيت الزوجية حتى لو كان خروجها لزيارة أبويها، ويستدلون على ذلك بما جاء في الصحيحين في قصة الإفك، وقول السيدة عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : أتأذن لي أن آتي أبوي.
كل ذلك واكثر كانت قد سمعت به (رجاء) وفات قعر اضانا، لكثرة ما حذرها وانزرها زوجها المولانا (معتصم) من مغبة الخروج في غيابه، ولو لدكان الحي لتشتري منه ما تأكله، فاذا لم تجد من يتناول لها احتياجاتها الدكّانية، فعليها البقاء جائعة لحين عودته من السوق !
هكذا كانت درجة التشديد في النهي من الخروج التي وجهها (معتصم) لزوجته، ولان الأوله شرط آخره لابد أن يكون نور، كان لابد لـ (رجاء) أن تقبل بشروط زوجها وتلتزم بها، ولكن ولان حالها كحال الكثير من الزوجات، فانها قررت منذ اليوم الأول ان تأخذه (على قدر عقلو) كما نصحتها أمها .. تجاريه في كلامه، وتفعل ما تريد من وراء ظهره، وشجعها على العمل بالنصيحة طول الساعات التي يقضيها زوجها في عمله خارج المدينة، فقد تعود الخروج في الصباح يوميا ولا يعود قبل مغيب الشمس ..
ما أن ينقشع عجاج (لساتك) سيارته، حتى تلفح ثوبها وتداقس بيوت الحي .. تحمل صينيتها لتفطر مع هذه، وتترافق الاثنتان لشربا القهوة عند تلك، فقد تعودت على الحياة الاجتماعية النشطة منذ ايام فتونتها في بيت أمها وابيها، وساعدها على تنمية موهبة مكابسة البيوت، أنها كانت قليلة الحظ في التعليم .. غادرت مقاعد الدراسة زهدة فيها قبل ان تحمل شهادة الثانوي، وجلست في البيت تسلي نفسها بحوامة الحلة وتجربة كريمات التفتيح والتشحيم انتظارا لود الحلال ..
لعدة ايام ظلت تطلب من (معتصم) ان يفرغ لها من زمنه، حتى يصطحبها للسوق لتشتري لوازم الوضوع، فقد قاربت على دخول شهرها التاسع دون أن تتمكن من تجهيز البيت، وشراء احتياجاتها ووليدها القادم، ولكن في كل مرة كان يعتذر بالمشغوليات .. وضعت صينية الشاي امامه ذات صباح ثم قالت غاضبة:
انت عايزني ألدي ويلفوا لينا الشافع في دلقان وللا شنو ؟ وبعدين البيت محتاج ستائر وملايات جديدة .. دي أول ولدة لي وانت حميتني أمشي ألدي عند ناس أمي .. أها الناس بتجي وتتفرج علي البيت .. لازم كل شي يكون جديد في جديد !
تضجر من كثرة كلامها وشكواها الغير منطقية حسب وجه نظره، فالبيت كله جديد لم يمض على فرشه عامين هو عمر زواجهم، ولكنها اصرت عليه بأن الولادة تحتاج التجديد، لذلك أخرج رزمة من النقود قبل أن يحمل مفاتيحه وقال وهو يغادر:
اتصلي بي واحد من اخوانك خليهو يجيك بعربيتو يمشي معاك السوق .. جيبي العايزاه
في حدود المبلغ ده أنا ما عندي طريقة اديك اكتر منو ..
اقنعت (رجاء) نفسها بأنها عملت العليها فقد اتصلت بشقيقها الأول فاعتذر عن المشوار، بحجة كراهيته للحوامة في السوق ومحاججة النسوان الكتيرة في المبايعة .. اتصلت على الآخر وترجته ان يصطحبها ولكنه اعتذر بعطب في كربريتر سيارته .. حدثتها نفسها بـ (يا بت هو كلو مشوار ساعتين وامجاد ماشي جاي .. اختف رجلي للسوق الشعبي اجيب حاجاتي وارجع لامن شاف ولامن دري) !!
بين الصدفة الغريبة والقدر الذي لا يمنعه الحذر، غادر (معتصم) مقر عمله بعد الظهر، لقضاء واجب عزاء في والد أحد الزملاء .. كان يقود سيارته مشغول الفكر بمباصرة زحيح العربات ساعة الزروة بالطريق الذي يمر من أمام السوق، عندما لفت نظره هيكل امراءة ذات كرش عظيم تحمل اكياسا كثيرة وتشير بالحاح لعربة أمجاد .. لم يحتاج لكثير حملقة ليتبين صاحبة الكرش فتوقف على جانب الطريق واتصل عليها .. رأها من بعيد تضع اكياسها على الارض وتفتح حقيبتها لتخرج الموبايل .. سألها:
عملتي شنو ؟ مشيتي السوق مع منو ؟
فاجابته بثقة: مشيت مع أمجد أخوي .. هدا جنبي بسلم عليك هسي راجعين علي البيت !!
اجابها بصوت هادئ غتيت:
سمح ما ترجعوا البيت .. خليهو يوديك بيت أبوك طوالي !!
(أرشيف الكاتبة)