عبد الله الشيخ : (مَقْطوعيّة الخَلِيفة الخالِفْ)..!
من (ابتلاءات) الرحيل، أن الفصيل المارق سيلتئم عوده مرة أخرى تحت (الكاب)، طمعاً في المصالح، وفي نعيم الدنيا، وفي السلطة والنفوذ، وفي الجنّة أيضاً، وقد عزّ المسار..هي ابتلاءات، لكن لا خشية على الشعب السوداني منها.. لأن لقاء المصالح له أُفق ينتهي إليه أصحاب المصلحة .. قال الدكتور حسن مكي، إبان المفاصلة، أن شيخهم كان الكُل في الكُل، (حينما يقول غداً نسير تظاهرة، يقول أحدهم نمشي نجيب تلج، ويقول آخر نمشي نجيب بصات)… هكذا كان الشيخ مصدراً للإلهام وللقرار.. الآن وقد رحل في سبيل الأولين والآخرين، فلم يعد هناك ما يمنع من أن تعود (العرجا لي مُراحا)..
رحيل الشيخ سيترك فراغاً عريضاً لجماعة الإسلام السياسي..لا توجد الآن عصا الكارزما، ولا خطفة الساحر الماكرة.. والبديل- الخليفة الخالف- مهما اقترب شكلاً من المثال، فلن يكون قادراً على مصايدة الفرائس.. هذا إن لم يكن (وجه الشبه) بين سالف وخالف، مدعاة للتندُّر..
فشل التنظيم في تقديم الشباب، بعد أن صدّع رؤوس العالمين بأنه ضد كنكشة العواجيز.. لا يوجد شُرّاح لمتون الشيخ، لأن متون الشيخ لا تمثّل ايدلوجيا، بقدر ما كانت اطلاقاً للتعمية على ظروف بذاتها..على الفصيل، بل على الحركة كلها، أن تبحث عن(الضّرا)، الذي لن تجده إلا تحت (الكاب)..
هذا الابتلاء لا يخص فصيلاً دون آخر، بل يحفّز جماعة الإصلاح، والسائحين، والخالفين، والخائفين، ومن سيتوالدون في المستقبل بمسميات جديدة.. سترجع الأغلبية إلى مراح السلطة، وستؤمِّن على ايقونات الشيخ، لأنّه الوَحيد، الذي كان يُفكِّر، ويَلعَب، ويُداهِي.. كان وحده، مخططاً ومُنفِّذاً، ومستوعباً، لما يحب، وما يكره..
بعض(الشعبيين) قد يبقيهم الحياء في معسكر الفقر.. قد يتباعدون قليلاً عن طيلسان السلطة حتى تخمد عبرة الرحيل- لبابة الفضُل مثالاً- لكن الجميع، سوف يُقنِع الجميع، باعتماد (الموضوعية في الطرح)، تحت ذريعة أن هذا ما كان يريده الشيخ، وأن تلك كانت أشواقه..
إذا تمسك الخليفة الخالف، بنزعة من تشدد بعد أن آلت إليه (الأمانة)، فسيبقى معه نفرٌ قليل..
في إلتآمهم خير للسودان.. ليهنأوا بالسلطة و(كنجالاتها) التي تؤدي حتماً إلى التطاحن من جديد، ما بين هَلوعٍ وشفْقان..على الأقل ستربح المعارضة فقدانهم لصفة أنهم (معارضون)..
ابتلاء الرحيل، رفع الحرج عن كثيرين..
سيلتحمون مرة أخرى لأن الفصيل يحتاج السلطة، ولأن السلطة تحتاجهم داخلها..
سيهرولون إليها، إذ لم تكن فكرة النظام الخالف إلا مداراة لتلك (الأشواق)..
لن يحتملهم ولن يحتملوا (أهل القبلة) لأن الفرز والتمايز، يتم على نار المصالح، لا الأحلام..
كان الشيخ يمثل لحمة أيديلوجية وتربوية، وبانثلامها انفرط العقد.. ما سيحدث بعد ذلك هو(التّشلْشُل)، اشتقاق من الشُّللية، أو البحث عن النفوذ بقضمة أو قضمتين، من نظام يعلم الجميع أنه بدَّل تحالفاته الاقليمية ليبقى..
بدَّل النظام تحالفاته، ليبقى حتى يهطل (الرّعدُ الشمالي)..
سيتوحدون لأنهم لا يختلفون إلا على الدُنيا، وإن بدا لهم ما يخافون فسيحاربون..
قد يبدو للناظِر أن البناء قَوي، وأن (السوس) لا ينخُر فيه.. ليس هذا هو موضوعنا في هذا الباب..
سيتوحدون، لكسب ما بحوزتهم من آليات التحكّم.. من أجل الحماية.. من أجل درء انْتقام (التّعابا)..
القاصي والداني يعرف إنهم (رغم البين البين، روح واحدة في جسدين).. من بين كلمات الحسرة والتعاطف، تتقافز منهم عبارات الوِداد والتراحم، و(الدعوات الصادقات)، إلى تنفيذ الوصية، بالمضي قدماً في الحوار الذي انقضى أمره وانتهى دوره..
سيعودون الى ظل القصر.. سيتذرعون بأن تلك هي وصية الشبخ، بينما يعلم الله والملائكة والنّاس، أن الشيخ كان أبعد خيالاً، وأكثر وسامة -وسبباً كذلك- في تأجيل الإلتحام..!