بين الوزير وجامعة الخرطوم وما آفة الأخبار إلا رواتها.. ما نسب لوزير السياحة حديث عارٍ عن الصحة
كما أننا مأمورون بتحري الصدق والأمانة والدقة في الكلام ونقله والحديث وقوله ، فإننا مأمورين كصحفيين بتحري الصدق والأمانة والدقة فيما يكتبه قلمنا ، وكما قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) ، فالصدق أهم قيمة إعلامية في عصرنا الذي أصبح الرجل يكذب الكذبة فيصدقها وينشرها وتعم القرى والحضر ! .
أسوق هذه المقدمة لما حدث خلال الأسبوعين المنصرمين حول الجميلة ومستحيلة (جامعة الخرطوم) وما أثير من حديث تارة حول بيعها لمستثمر ، وتارة بنقل موقعها لضاحية سوبا ، وأخرى بتحويلها إلى مزارات سياحية . في وقت يتداول السودانيون منذ فترة معلومات عن بيع مواقع عريقة في وسط الخرطوم ، منها وزارات ومستشفيات ، لصالح مستثمرين . لكن الحكومة لم تؤكّد أو تنف هذه المعلومات رغم تخلصها بالفعل من بعض المواقع . ففي ولاية الخرطوم وحدها رُهنت وبيعت حوالي 1400 عقار في فترة الوالي السابق ! .
بداية القصة
بدأت القصة بظهور خبر في شريط أسفل شاشة إحدى القنوات السودانية على النحو التالي: « مدير الجامعة : اللقاء أمّن على نقل كليات الجامعة لمنطقة سوبا ». ونشرت وكالة الأنباء السودانية خبراً عن لقاء جمع نائب الرئيس السوداني ، حسبو محمد عبد الرحمن ، بالبروفيسور أحمد محمد سليمان ، مدير جامعة الخرطوم، وبحضور بروفيسور سمية أبوكشوة ، وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي ، أعلن من خلاله حسبو عن دعمه لمشروع تطوير جامعة الخرطوم بمبلغ 10 مليارات جنيه .
وجاء في الخبر أن البروفيسور أحمد محمد سليمان ، مدير جامعة الخرطوم ، قال إن اللقاء تناول دور جامعة الخرطوم في المجتمع ودورها عالميا . كما تطرق إلى تأمين جامعة الخرطوم ونقل كليات الجامعة إلى سوبا . هكذا بدأت القصة وكان هذا اللقاء في اليوم السابع لشهر أبريل .
مظاهرات طلاب الجامعة
يعلم الجميع أن النشاط السياسي لطلاب جامعة الخرطوم متوقف لأكثر من سنتين بسبب حل الاتحاد وتجميد النشاط السياسي ، بسبب عدم اكتمال النصاب لإحجام الطلاب وجمود بعض مواد الدستور كما ذكر البيان الذي أصدره مدير الجامعة للطلاب .
وتشهد الساحة السياسية بالجامعة احتقاناً سياسياً وإغلاقاً لكل منابر الحديث ، وفي يوم 5 إبريل تحصل طلاب حزب المؤتمر السوداني على تصديق من إدارة النشاط الطلابي لإقامة ندوة سياسية ، وكان عنوان الندوة احتفال بذكرى انتفاضة 6 إبريل 1985م ، وكان المتحدث الرئيسي فيها الدكتور عمر الدقير رئيس الحزب ورئيس اتحاد الطلاب الذي قاد الانتفاضة آنذاك ، إلا أن سلطات الحرس الجامعي حالت دون دخول رئيس الحزب للحرم الجامعي مما أدى لخروج الطلاب في مظاهرة محدودة تعبيراً عن رفض الحرس دخول زعيمهم أو رئيسهم وبالتالي لم تقم الندوة وتفرق الطلاب .
في اليوم الثاني 6 إبريل تقدم طلاب ينتمون لحركات مسلحة بطلب لتصديق مخاطبة سياسية ، إلا أن الإدارة رفضت طلبهم ، مما دعاهم لقيام هذه المخاطبة بالداخلية وقام الحرس الجامعي بإيقافها مما دفع الطلاب للظاهر وحرق مكتب الحرس الجامعي ..
وتتابعت المظاهرات وكانت في أوجها ، ويقول شهود عيان أن الطلاب هتفوا ضد بيع الجامعة ، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين الذين أشعلوا النار في سيارة مواطن .
وقد نفت الحكومة في اجتماع مجلس الوزراء أمس الخميس بصورة قاطعة إشاعة بيع الجامعة ، وأضاف شهود عيان أن قادة المظاهرات في جامعة الخرطوم من الطلاب الموالين للحركات المتمردة المسلحة التي منيت بهزائم متتالية من الجيش السوداني في الأسابيع الماضية .
حديث وزارة السياحة
في اليوم العاشر من شهر إبريل – أي بعد 5 أيام من اندلاع المظاهرات وحديث مدير الجامعة حول بيع أو نقل الجامعة ولقاءه مع نائب الرئيس – أجرت الزميلة نازك شمام بصحيفة اليوم التالي حواراً مع الأستاذ محمد أبو زيد مصطفى وزير السياحة والآثار والحياة البرية ، تناول الحوار مسيرة السياحة وفرصها وكان حواراً متميزاً وتم إخراجه بجاذبية واحترافية عالية .
وفي ثنايا الحوار ورد سؤال حول المخطط الهيكلي بولاية الخرطوم ، ودور الوزارة في تسريعه والمؤسسات بشارع النيل ، وكانت إجابة الوزير : ” بحسب قرار مجلس الوزراء هناك مواقع وضعنا يدنا عليها باعتبارها آثاراً ، مثل وزارة المالية والبريد والبرق وجامعة الخرطوم والقصر الجمهوري ، هذه وضعنا عليها يدنا باعتبارها آثار تتبع للسياحة ” . أما ما تداوله البعض بأن الوزير ذكر بأن الجامعة سيتم إخلاؤها وتحويل مبانيها إلى مزارات أثرية فهو إخراج للكلام عن سياقة وتحوير لما ذكره من حديث ، وقد لعبت فيه جهات كثيرة ، وأبرزته كمينشياتات وحام حوله كُتَّاب الأعمدة وهو حديث غير صحيح ونفاه الوزير أكثر من مرة ولكن لا حياة لمن تنادي . ولو أن كل كاتب يقصد بكتابته وجه الله ورفع هاتفه واتصل بمصدر الخبر وتبيَّن لاتضحت الحقيقة للرأي العام ، وتحقق قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) .. وستثبت الأيام أن كل من خاض في هذا الحديث أنه نادم أشد الندم .
ما يهمنا هنا (جامعة الخرطوم) والوزير ذكر بأن الوزارة وضعت عليها يدها لأعمال الصيانة والإشراف على مبانيها باعتبارها آثاراً ، سيما وأن العديد من السياح يزورونها حالياً والطلاب يدرسون فيها . ونفى الوزير بشدة في الحوار المذكور بيع مباني الجامعة ودافع عنها ، وهو ما عضده البروفيسور أحمد سليمان مدير جامعة الخرطوم في نفي إشاعة بيع أراضي جامعة الخرطوم لمستثمر خليجي ، قائلاً : ( الحديث عن بيع أراضي الجامعة لا يعقله عاقل) في ذات الوقت أوضح أن قرار نقل الكليات الطبية يعتبر قديم منذ عهد البروفيسور عبد الله الطيب – رحمه الله – في إدارة الجامعة كاشفاً عن نقل كلية المختبرات في وقت سابق وسيتم نقل كلية طب الأسنان في الفترة القادمة بالإضافة لكلية الطب لاحقاً .
من جانبه اتهم أحمد سليمان الإعلام بعدم الدقة في نقل خبر نقل جامعة الخرطوم لمنطقة سوبا ، وقال إن هنالك بعض الناس يلفقون الأخبار لشئ في أنفسهم. كاشفاً عن نقل كلية طب الأسنان وكلية الطب ومن ثم باقي الكليات الطبية الأخرى إلى مقرها بسوبا . وقال إن مباني الجامعة أصبحت تراثاً ومزاراً لكثير من الناس ، وملك للجميع وسنعمل على صيانتها وحفظها . وتابع : نحن نفتخر بهذه المباني والتي أصبحت مزاراً للمهتمين بالتاريخ . واختتم مدير الجامعة حديثه بقوله : ” هنالك بعض الناس همهم تلفيق الأخبار الكاذبة لشئ في أنفسهم والله سبحانه وتعالى يقول : (سماعون للكذب) ” .
خلاصة القول
مما سبق وبحكم مهنتي تواصلت مع مصدر الخبر واتضح لي جلياً أن حديث وزير السياحة والآثار والحياة البرية لم يتطرق من قريب أو بعيد لتأكيد بيع أو نقل كليات الجامعة بشارع النيل إلى سوبا أو أي مكان آخر ، وإنما دافع عن بيعها ، وعبارة إخلاء الجامعة وتحويلها إلى مزارات أثرية حديث عارٍ عن الصحة ، فجامعة الخرطوم اليوم لم تعد مجرد صرح تعليمي ، وإنما تعتبر تراثاً وإرثاً تأريخياً يحكي للأجيال عظمة وروعة الفن المعماري ، وستبقى الجامعة جميلة ومستحيلة وعصية على كل من يريد مسخ وتشويه تاريخها الذي تجاوز الأربعة عشر خريفاً بعد المائة .
تحريا للصدق كما ذكرت في مرافعتك هذه و طلبك التأكد قبل نقل الخبر هلا تكرمت بسؤال مدير الجامعة عن وضع المجمع الطبي بعد نقل طلابه الى سوبا. هل سيستفاد منه في نقل احد كليات الجامعة الاخرى اليه ام سيبقى فارغاً “نظام مزار سياحي كدا” ام ماذا؟
رب العباد عرفوا بالعقل ما شافوه بالعين ولله المثل الأعلى.
المسلسل بدأ بتجفيف مستشفى الخرطوم ليأتي السؤال المنطقي اين يتدرب طلاب طب الخرطوم؟ الإجابة في باطن السؤال “البرئ” دا: هل الأفضل توزيعهم في مستشفيات الولاية ام يكونوا قرب مستشفاهم بسوبا؟
بعد ما تفهمها فهمنا ليها.
ببساطة كدا وزير السياحة واحد من اتنين؟ خبر كاذب وبالتالي من نشره يحاسب او خبر صادق وبالتالي يقال من منصبه.
ما تنتظروا لحدي ما يموت طالب. الغريق قدام عند رب العاملين