تحقيقات وتقارير

ما بين منبر مسجد الخرطوم العتيق وإحدى الكليات الخاصة وعدد من الجامعات الحكومية يجد الموضوع حظه من الجدل المستمر .. خمار وطرحة وحجاب

تستحق المسألة أن نوليها من العناية الكثير، وأن يتم نقاشها باستفاضة، وبحسب وجهة نظر معتبرة فثمة بوادر لاحتدام صراع فكري حولها. وفي وقت سابق دخل النقاش حول المسألة أروقة مؤسسات تعليمية ودينية مهمة وأنصت الناس له بإصغاء.. وما بين منبر مسجد الخرطوم العتيق وإحدى الكليات الخاصة وعدد من الجامعات الحكومية وجد الموضوع حظا من الجدال. وسبق أن طالع قراء الصحف خبرا مفاده أن كلية خاصة منعت طالباتها من ارتداء النقاب داخل حرمها.. وعلى النقيض كانت جامعة أخرى قبل عامين تقريبا تعلن رغبتها في توحيد زي طلابها بحثا عن (الحشمة)، بل افتتحت عددا من المعارض للزي المعني بأسعار مخفضة. وما بين منع تلك الكلية الجامعية لطالباتها من النقاب بقانونها ككلية خاصة، وتشجيع جامعة أخرى، كان الصحف تقتبس أخبارها الأسبوع الماضي من خطبة كمال رزق إمام المسجد الخرطوم العتيق لتجد أقواله طريقها للصفحات الأولى والمانشيتات. من ثنايا خطبة الجمعة امتلأت الأسافير بالجدال ما بين معارض لفكرة فرضه بالقانون وما بين منعه بالقانون كذلك، ولكل من هؤلاء بالطبع حججه؛ سواء كانت ذات طابع ديني أو غيره.

وبين النقيضين ثمة العشرات من الآراء والتفسيرات كل منها يجد المؤيد والرافض، مما يعني أن خمار الفتيات سيظل محل جدال فترة طويلة قادمة من منطق الصراع الحالي.
حسناً، قضية الخمار لم تتم إثارتها في السودان فحسب، إنما في الجارة مصر وهناك من يرى أن النقاب يمثل عفة وطهارة للمرأة بشكل عام ويزيد من قوة إيمانها ويجعل من سلوكها أكثر التزاماً، والبعض الآخر يرى أن مخالفة زي القوم ليس من المروءة، وأن الإسلام ليس له زي محدد وإنما له شروط، بينما يجلب لبس النقاب الشبهات كما نشرت صحيفة (اليوم السابع) في وقت سابق.

وبالعودة لحديث الشيخ كمال رزق في منبر الجمعة الماضية ترى (صباح التاج) موظفة بإحدى شركات القطع الخاص، أن كمال رزق يفضل دائماً طرح أفكار مختلفة، وترى وصفه للمرأة بأنها “دون حجاب جيفة تمشي على قدمين” هذا وصف غير موفق وتعتبر إساءة لها وأنه – أي رزق – ابتعد عن الدعوة لفعل الخير كما يرى بالحكمة، وإذا أراد أن يهدي فليس معنى ذلك أن يسيء، وأضافت: هنالك أشياء أخرى أكثر أهمية يجب أن يهتم بها ويهدي الناس إليها.
أما أمل هباني وهي صحفية فائزة بعدة جوائز ومدافعة عن حقوق المرأة فتؤكد أن الحجاب أو النقاب يدخل في أنه خصوصية وحرية شخصية وقناعة للمرأة، وأن قضايا المرأة يجب أن يعبر عنها بكل أخلاق حميدة، وأن الدين به جدل ما بين فرائض وآداب والطريقة التي عكس فيها كمال رزق رأيه تجاه المرأة لا تخص الدين في شيء بل هي إهانة وتجريح وانتهاك لحقوقها وحرياتها.

أما بالنسبة للكاتب الصحفي والمحلل السياسي بابكر فيصل فيقول في مقال منشور مؤخراً إن (إنَّ نمط التديُّن السوداني إنبنى في الأساس على تحقيق مقاصد الدين و جوهره عبر الأخلاق ولذلك فإنَّ قيم الطهر والعفاف التي ميزت المرأة السودانية لم ترتبط “بالزي أو الملبس” وإنما كان منبعها هو “التربية السليمة” ولم تبدأ تلك القيم في التراجع إلا بعد أن إزداد التمسك “بالشكليات” ومنها فرض زي ولبس معين وإذا بحثنا بجدية في مدى الإنحرافات العامة التي أصابت المُجتمع لوجدنا أنها تتناسبُ طردياً مع التمسك المَرَضي بهذه الأمور المظهرية وهذا هو مربط الفرس)، كما يقول.
ويبقى الجدال حول غطاء رأس المرأة بذات تعدد الأسماء المعروف بها فما بين (الخمار والطرحة والحجاب) قطعا تظل فتاوي التحريم والترغيب مستمرة لسنوات قادمة على الأقل.

الخرطوم – طيبة سرالله
صحيفة اليوم التالي