د. عارف عوض الركابي : تجديد المناشدة للرزيقات والمعاليا
تناقلت الأخبار يوم أمس أخباراً مؤلمة مؤسفة محزنة عن تجدد القتال بين قبيلتي الرزيقات والمعاليا بشرق دارفور بسبب الخلاف بين القبليتين حول أراضٍ، فكان من الواجب تكرار وتجديد المناشدة لأهلنا في هاتين القبيلتين بعدم الاستجابة لداعي الشيطان الذي ينفخ في نار الحرب ليقع القتال بينهم، فإن النفس المسلمة المعصومة محرمة، وقتل المسلم العمد وردت فيه العقوبة العظيمة، وهي قوله تعالى: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»، وهذه خمس عقوبات وردت في هذه الآية الكريمة بسبب القتل العمد.. فمن ذا الذي يجرؤ على استقبال وعيد عظيم كهذا؟! ولعظم دم المسلم ونفسه فإن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع بعرفة وكرّر ما قاله في يوم عرفة في يوم النحر وأيام التشريق وهو يخاطب أمته بقوله: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد». أناشد القبيلتين البعد عن إثارة القبلية والعنصرية، فإن هذا من أكبر مخططات الأعداء لتفريق الشمل وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح، ولتفتيت هذه البلاد وإثارة الحروب والدمار فيها. من يا ترى المستفيد من إثارة العنصريات والقبليات والقتال وتقطيع المجتمع المسلم بذلك؟! للإجابة عن هذا السؤال يجب أن يدرك الجميع أن البيئة التي ينتشر فيها مثل هذه المصيبة ويغذى بداء العنصرية القبلية يكون الجميع فيها خاسراً!! فهل نطمع في وعي وإدراك لخطورة هذه القضية الحالية بين الرزيقات والمعاليا.. والتي هي من أهم وسائل أعداء هذا المجتمع؟! وإننا نتوقع أن يفيق أهلنا الذين وقعوا في هذا الشَرَك المحكم. ولا بد من بذل الأسباب لتفويت الفرصة على أعداء القبيلتين وأعدائنا.. وحتى ننعم بحياة طيبة.. في ظل توجيهات هذا الدين العظيم.. الذي حسم هذه القضية وقطع نبتها الخبيث من أصوله واجتثها.. وحذر منها بل أكّد التحذير.. وشنّع بمن يقع فيها ووصفه بأوصاف ذميمة. وقد قطع الله تعالى دابر هذا البلاء الذي تقطع به الصلات وتمتلئ به القلوب بالشحناء والبغضاء.. ويزداد الغل بسببه إلى أن يبلغ القتل والدمار والخراب، وهذا ما نخشى وقوعه في هذه الأيام.. «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، «لا يسخر قوم من قوم»، «ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب» «خلقكم من نفس واحدة». فهل سيستجيب وجهاء وقادة القبيلتين؟! هل سيستجيبون لدعوة الشرع والحكمة والعقل.. فينبذون القبلية والعنصرية، ويعتصمون بالكتاب والسنة ويتآلفون فيما بينهم .. وينظرون للمصلحة العامة ويضعون القتال للقبيلة والعصبية في محلها الذي وضعه الإسلام «تحت الأقدام»؟! لقد علم النبي عليه الصلاة والسلام أن إثارة القبلية والعصبية من أكبر مهددات المجتمع وفساد حياته الطيبة، ومن ثَم سهولة نصرة أعدائه عليه.. فبلّغ في ذلك كما في غيره البلاغ المبين، وأوضح الأمر وفصّل فيه بما لا يبقى به حجة لمن يقع في هذا «المستنقع» المظلم المدمّر.. وهذا «الدرك» الذي تضيع به حسنات صاحبه فيتضرر الأفراد.. ويسهل التفريق به بين الناس فيتضرر المجتمع.. فكيف إذا وصل الحال لجمع الحشود للقتال وسفك الدماء؟! لأجل ماذا؟! وبسبب ماذا؟! إنه لأجل حطام الدنيا الفاني الذي يمكن أن يحل أمره ويحق فيه الحق بالطرق الصحيحة والمحاكم والجهات القانونية والعدلية، وبوضع التسويات المرضية، ولن ينعدم حلٌ تحفظ به الدماء وتحقن، وينأى فيه عن ارتكاب جريمة القتل التي ورد في وعيدها الأمر الجلل العظيم، وأشير هنا إلى بعض ما ورد عن نبي الهدى والرحمة عليه الصلاة والسلام في هذه القضية المهمة: قال عليه الصلاة والسلام: «.. من قاتل تحت رايةٍ عُمِيّة يدعو إلى عصبيةٍ أو يغضب لعصبية، فقتل، فقتلته جاهلية» رواه النسائي وصححه الألباني، وفي لفظ: «.. ومن قتل تحت رايةٍ عُمِيّةٍ يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي» رواه مسلم.. والعصبة: بنو العم، والعصبية أخذت من العصبة. وقال: «من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية» رواه الطبراني وصححه الألباني. وقال: « .. ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثاء جهنم» رواه الإمام أحمد في المسند. والدعوة للعصبية هي من الدعوات الجاهلية كما جاء في حديث «ما بال دعوى الجاهلية؟!» لما اختلف رجل من المهاجرين وآخر من الأنصار فقال المهاجري يا للمهاجرين وقال الأنصاري يا للأنصار ثم قال: « دعوها فإنها منتنة» متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من دعا إلى عصبيةٍ، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبيةٍ» رواه أبو داؤود وله شاهد في صحيح مسلم. والأحاديث الواردة في هذه القضية كثيرة في «أعدادها» وواضحة في «مدلولاتها ومعانيها». هذا هو التوجيه الرباني العظيم .. والمنهج النبوي الكريم .. في هذه القضية «الواضحة»، فنأمل وننتظر استجابة أهلنا المعاليا والرزيقات لحكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك الخير لهم ولأبنائهم ولمجتمعنا «يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم». أسأل الله أن يوفق ولاة الأمر في بلادنا إلى بسط الأمن وإعانة أهل تلك المنطقة على ما فيه خيرهم وهو عصمة الأنفس والأعراض والأموال، والأمل في الله تعالى كبير بأن يوفقوا في ذلك، ثم إن سعادة الأخ والي ولاية شرق دارفور أنس عمر ممن يرجى فيهم الخير الكثير، لحرصه المعهود وتفانيه المشهود ورغبته الأكيدة في استقرار المنطقة ونمائها وازدهارها وبسط الأمن فيها، وعيش أهلها الطيبين في سلام ووئام، وأسأل الله له التوفيق في مهمته العظيمة.. ونرجو من أهلنا في شرق دارفور الاستجابة لنداء الدين والحكمة والعقل.