حسين خوجلي

الإرتداد إلى حالة اللا منطق..!!


> الذي يقرأ تاريخ الديمقراطيات الغربية المعاصرة ويرى ما بذل ما فيه من دم وتضحيات وأفكار لا يقدر هذه التضحيات الغاليات وحدها. ولكنه يقدر باحترام أكثر وتبجيل هذا الثبات الراسخ في أية خطوة حرية وارادة وبرنامج يشي باحترام الإنسان وتقديره ورعاية حقوقه.. ثبات يدخل في مفاصل الحركة المعرفية والسياسية والقانونية ويطال السلطات والسلطان، حتى اذا ما حاول أي تفرد تجاوزه أو تأويله لغرض غير مصلحة الجماهير وتوسيع مواعينها في الكرامة والحرية والاحترام، قامت الدنيا ونكست الأعلام وزلزلت الارض زلزالها.. ولذلك فإن أية خطوة في طريق الانتكاسة تقابلها ثورة عارمة تجحظ لها أعين المؤسسات والأفراد الذين لا يتطاولون عليها لأنها باختصار صنعتهم وهي القادرة على ازاحتهم لصالح المجموع ولصالح المفاهيم.
< وفي عمر هذه الديمقراطيات الراسخة ذهب الكثيرون دون ضجيج، لأن الاجهزة كانت أقوى من كل صولجانهم الظاهر والباطن.. ذهب الرئيس الأمريكي المثقف نيكسون لان صحافياً ناشطاً في مجال رعاية الاصول اتهمه على صمته المريب وصبيان حزبه يتنصتون على مقر الحزب المنافس، جاء الرجل الكبير واعترف بخطئه وذهب وبقى حزبه كبيراً في ظن الجماهير، لأن حزبه هو الذي أتي به وليس العكس، لم تتغير اللغة ولم يأت الكهنة والسحرة لتقديم تأويل مغرق في الغرابة لجملة من البدهيات، كما يحدث عندنا في العالم العربي والإسلامي بلا استثناء، حيث تصبح كل الاجهزة حتى الايديولوجية مجرد ارجوزات في بلاط السيد الأول، يقولون ما يقول ويقدمون فتاوي الدين والدنيا لجبر كسور نصف اخطائه ولادخال خطاه الكامل لغرفة الانعاش حتى وإن كان دون علاجه خرط القتاد أو ادخال الجمل في سم الخياط.. ولذلك فإنه من المستحيل ان تتراجع قوانين الحريات والديمقراطية والمكتسبات وحقوق الانسان الراشد ابدأ إرضاءً لفرد أو مجموعة أو حتى حزب.. لأنها باختصار مكتسبات جيل ونتاج عرق وأفكار ومداورة مرة مع حق المجموع في الحرية ضد ادعاء الفرد في الاستبداد، فلا المرحلة تسمح بذلك ولا الجماهير ولا حزمة الثوابت ولا العقيدة المنطوية على حماية هذه الحقوق. ولذلك فأي منطق يحاول الارتداد نحو الفردية والشمولية، يصبح منطقاً حالكاً وأبكم ورقيعا مهما حاول محاموه الدفاع ومهما تدرعوا بالفصاحة المزجاة وبيان التلفيق الموشى بالاكاذيب والتنطع. وهو نوع من المنطق قد يكسب جولة بسطوة القامع وقلة حيلة المقموع. ولكنه في النهاية يرتد الى خانة اللا منطق، حيث يضحك عليه الناس جهرا وان اختاروا للمدارة صحاري الظلام بعيداً عن العسس والمخافر. ورحم الله صاحب كليلة ودمنة السوداني، فقد حكى ان النمر قد تحرش يوماً بالقرد وأصبح يصفعه مطالباً بقبعته وهي قبعة مدعاة. ولما كثر الصفع على القرد المسكين لجأ لملك الغابة وقال بلسان حزين وكسير: إن النمر يصفعني في كل منعطف يا ملك الغابة ويطالبني بقبعته ذات المقاييس المستحيلة. واصلاً لم تكن لي يوماً قبعة يا ملك الملوك تخصه أو تخصني أو تخص آخر. استدعى الأسد النمر بعد أن ذهب القرد والذي تخفي بدوره غير بعيد ليسمع المحاكمة. قال الأسد لوزيره النمر وهو يعظه «لا يمكن يا سيادة الوزير أن تصفع القرد «يوماتي» وهو أحد رعايانا بدون أسباب.. يجب أن تستعمل جدلاً ولو تلفيقياً لتبربر الصفع. تساءل النمر ولكن كيف؟ فقال الأسد: كأن تقول له اعطني برتقالة فإن اتاك بصفراء تصعفه وتقول انني اريدها خضراء .. وأن أتاك بالخضراء تصفعه وتقول اريدها صفراء. خرج النمر سعيداً بالتلفيق السيادي. وفي أول منعطفات الغابة قابله القرد المسكين فقال له متهللاً أرغب أيها القرد في برتقالة، فقال القرد الذي ظن انه امتلك سر الخلاص والمرحلة: صفراء أم خضراء؟ ولكن المسكين فوجئ بصفعة مدوية تقع على وجهه المترع بالصدمات وعبارة أخطر من الصفعة نفسها بلا صفراء بلا خضراء اريد قبعتي!! وبجدلية قبعة السلطان العربي ووكلائه، تتوالى الصفعات على قفا الجماهير الحزينة الكسيرة.. ويذهب القرد المسكين القهقري لزعيم الغابة العبري أو العربي، فتكون الاجابة واحدة والاستبداد هنا أو هناك أبناء عمومة.