الصوت الصارخ في البرية
> السادة أهل الإعلام
> سفينة الإعلام تتجه شرقاً ــ ونحن/ الناس على ظهرها/ نتجه غرباً.
> .. والسفينة ــ البلد كلها ــ تتجه الى الشلال!!
(2)
> وأيام انطلاق راديو الترانسستور ــ المتفرجون في استاد الخرطوم يشاهدون المباراة ــ بعيونهم ــ لكن كل واحد منهم يلصق جهاز الراديو على اذنه ــ يستمع لوصف طه حمدتو ــ للمباراة.
> الإعلام ــ سطوته تبلغ هذا.
> والآن الجلاكسي مثلها..!!
> لكن سفينة البلد تتجه إلى البحر ــ مهما مشينا ــ نحن على ظهرها ــ في الاتجاه المعاكس.
(3)
> .. ومشياً ــ على ظهر السفينة ــ في الاتجاه المعاكس ــ نظن أننا نسهم في إبعاد البلاد عن الخطر ونحن نركم الأحداث.
> وما وراء الأبواب.
> وخطط العدو اليومية.
> .. ونشعر بأن العدو يستخدم الرصد هذا في تنفيذ أسلوبه الجديد.
> أسلوب (أنك لا تستطيع قتال النحل ــ بالعكاز).
> الأحداث اليومية تصبح هي النحل القاتل.
> بينما نحن دون خطة.. نقاتل النحل هذا بالاجتهاد اليومي الفردي العاجز.
(4)
> والأسابيع الأخيرة
> معركة هائلة حول الترابي والجزيرة و… و…
> معركة ــ ثم ننظر ونجد أنه لم يتبدل شيء
> لا الدولار ولا التمرد ولا رغيف العيش
> ومعركة ــ الحوار وما بعد الحوار… و…
> معركة
> .. ثم ننظر بعدها ونجد انه لم يتبدل شيء
> وحلايب و.. معركة.. والقانون ــ ومعركة ــ والتحالف في باريس للمرة الخامسة.. ومعركة ــ وحقوق الإنسان في الخرطوم ــ وغندور والديون.. و… وجامعة الخرطوم وبيعها ــ و.. و..
> معارك نخرج منها مثلما يخرج الجندي دامياً مترنحاً ــ ممزقاً..
> ثم ننظر ونجد أنه لا شيء تبدل.
> .. و…
> نشعر بأن العدو يستخدم إخلاص الإعلام ــ سلاحاً ضد البلاد..
> واستخدام خدعة الإخلاص سهل.
> فالعالم اليوم.. الاستشهاديون فيه ــ الذين ينسفون أجسادهم الى الف قطعة يصبحون برهاناً كاملاً على أن
… الإخلاص وحده ــ لا يكفي للخروج من الأزمة.
> .. والهياج المخلص يصبح شيئاً مثل مشهد الكراسي في الصباح تحت الشمس بعد حفل هائج.. الكراسي المشتتة ــ المطرقة تحت الشمس وصحون طعام العشاء ملوثة ممزقة على الأرض .. وآثار الماء ــ والبول ــ والشرائط الملونة ــ ولمبات الإضاءة مدلاة ــ ومضيئة مسكينة لا يراها أحد.
> و… و…
(5)
الإخلاص المتفرد مشهده هو هذا.
> وأمس نحدث عن أن الدوائر الحكومية تنفرد كل منها بشأنها وتحتفظ به في صدرها و(تغار) عليه ــ مثلما تخبئ مريضة السل داءها في صدرها و(تغار) عليه.
> والصورة هذه ــ صورة مريضة السل التي تحتكر مرضها في صدرها .. صورة حقيقية يقصها يوسف إدريس عن مريضة في مستشفى مصري كان الأطباء يستخدمونها ليشرحوا لطلاب الطب مرض السل.
> الساده أهل الإعلام.
> لا بلد في الدنيا الآن ينفرد الإعلام فيه بأسلوب الجري المنفرد لاصطياد المعلومة المنفردة ثم التعامل معها منفرداً.
> ثم.. ثم..
> السادة: الدولة.
> السادة: الإعلام.
> لا عمل ضخم الآن في العالم ينفرد به أحد.. بل الجماعات.
> السادة..
السفينة تتجه إلى الشلال ونحن نبتعد عن الشلال بمقدار ما تمشي خطواتنا على ظهر السفينة في الاتجاه المعاكس.
(9)
العنوان (الصوت الصارخ في البرية) نستعيره من صلاح أحمد إبراهيم وهو يكتب عن التآمر على لوممبا ليقول
«الصوت الصارخ في البرية
انجد ــ انجد
أبِنَا يا هذا تستنجد؟
ابعد ــ ابعد
مت مبتعداً
> ننعاك بإذن الله غداً»
> وصوتنا الصارخ في البرية لا يهمه النعي
> فالأغنية عندنا هي ذاتها أغنية صلاح إبراهيم أن آخر الأمر هو
: كفن من طرف السوق.
> وشبر في المقابر.
> لكن البلد ــ لكن البلد.
آهـ يا بلد.
و الله يا عم اسحق هذا المقال الحزين نعى اليم للسودان و زى ما بقولوا المقتولة ما بتسمع الصائحة ( أحسن الله عزاءكم)