أحداث الضعين
> ما حدث بمدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، عمل مستهجن ومرفوض ودخيل على مجتمع المدينة وسابقة ليس لها ما يبررها على الإطلاق، ويوجب أن تتعامل الدولة مع هذا الحدث وتوابعه وأسبابه ودوافعه، بحزم وحسم لا هوادة فيه لضبط الأمن ودرء الفتنة قبل فوات الأوان، ولو ترك الأمر على ما هو عليه، سيقع ما لا يحمد عقباه، فمثل هذه الظواهر تهدد هيبة الدولة وتضعها تحت النعال، وتجعل من السلم والأمن الاجتماعي بعيداً عن اليد وسيبصح عند الناس كالغول والعنقاء، فلا مجاملة على حساب الاستقرار والطمأنينة العامة واحترام سيادة القانون وسلطة الدولة.
> في ذات الوقت، يجب الاعتراف أن كل الجهود التي بذلت من فترة ليست بالقصيرة لفرض الأمن والسعي لخلق بيئة مواتية للتصالح والتعايش بين مكونات الولاية السكانية، خاصة الرزيقات والمعاليا، لم تفلح في نزع الغل والمرارات والضغائن من النفوس، ولم تحقق الهدف المرجو منها، فقد اجتهدت الحكومة الاتحادية والحكومة الولائية وجهات ومنظمات غير حكومية ومراكز بحثية تُعنى بالمجتمع مثل مركز (مدا) ، في إصلاح ذات البين وجمع الشتيتين من الإخوة الأعداء في القبيلتين، وتم تنظيم برامج متنوعة مختلفة على كل المستويات في الإدارة الأهلية وشرائح الشباب والمرأة والقيادات السياسية المحلية، وظهرت ثمارها برهة لكنها سرعان ما ذابت وسط هدير المدافع ولعلعة الرصاص وألسنة النار التي اشتعلت مرة أخرى والبيانات القبلية التحريضية الممعنة في التعصب الأعمى، وأطلت الفتنة بوجهها الكريه مرة أخرى، لكنها هذه المرة أكثر حدة وقبحاً..
> وظن كثير من الناس أن زيارة السيد رئيس الجمهورية الأخيرة ضمن جولته في مفتتح هذا الشهر إلى ولايات دارفور، ومنها شرق دارفور، ولقائه بالمواطنين في مدينتي الضعين وأب كارنكا، وحديثه الصريح والواضح للأهالي هناك لنبذ الخلافات والصراعات، قد وضعت الطرفين أمام المسؤولية الدينية والوطنية، ولابد أن يتحولوا من حالة العداء والتربص ببعضهما البعض إلى حالة السلام والتسامح، لكننا بما استجد من أحداث وقعت هذا الأسبوع وما تلاها من أحداث الضعين، تقهقرت ولاية شرق دارفور بسبب الطيش والتفلت إلى الوراء وتكاد تسقط في القاع وتعود بالسودان إلى دائرة العنف والمواجهات والدماء، وتناحرات القبائل التي ما زادتنا إلا تخلفاً وتعصباً وحقداً..
> اذا لم تسارع الحكومة بقوة وتتخذ إجراءات غير تقليدية، وتتحلى بالشجاعة الكافية والإرادة الصلبة لإنهاء الفوضى ووضع الأمور في نصابها، فإن الأمور ستفلت من يدها، ويصعب من بعد مواجهة أي طارئ قد ينشأ في أي مكان في ولايات دارفور، حيث لا يستبعد أن هناك يد ثالثة تؤجج هذه الصراعات، وتدير بمكر وخُبث ودهاء هذا التطاحن الدموي المستمر.
> بعد الذي جرى في الضعين أول أمس، وما سبقه في منطقة (تور طعان)، تبين بما لا يدع مجالاً للشك، أن الوسائل والطرق التي ظللنا نعالج بها الخلافات والصراعات القبلية، يجب أن تتغير، ولابد أن نبحث عن أساليب جديدة تستوعب مستجدات الواقع ووجود مجموعات وفئات داخل المجتمع لا تذعن للدولة أو لرأي القبيلة وكبارها ووجوهها، وهناك ظاهرة جديدة أخذت مكانتها في صدارة التفكير الجمعي للقبائل، وهي استسهال إستثارة الشعور القبلي وسوقه نحو هدف معين دون مراعاة لقيم الدين أو الأعراف أو التقاليد أو الأخلاق الكريمة للمجتمع..
> فالدولة مطالبة اليوم قبل الغد أن تراجع الطريقة التي تعالج بها السلطات المحلية بتوجيه من الحكومة الاتحادية هذا النوع من الصراعات القبلية من حيث الإجراءات الأمنية والتحوطات والاحترازات التي تُتخذ وتطبيقات القانون وإقامة العدالة وبسط سلطان الدولة، ومن ثم النظر في نجاعة ما يسمى بمؤتمرات الصلح ومقرراتها ولجان الأجاويد، فهذه لم تستطع إلا تسكين الأحداث لتثور وتفور بعد هنيهات أعنف وأشد، فهل من وسائل جديدة يمكن اللجوء إليها تلزم المجموعات القبلية جادة الطريق وتجعلها تحترم القانون وسلطة الدولة..