عبد الله الشيخ : (كل مُغَطّي مَكْشوُف)..!
وصلتني هذه الرسالة من البروف عبد النبي عبد الله الطيب، أستاذ الإعلام بالمملكة، تعليقاً على ما أثير مؤخراً، حول شهادة د. الترابي- يرحمه اله- والتي باشرت الجزيرة بثّها خلال هذا الاسبوع.. أقضِي سحابة يومي خلال هذا الصيف، وأنا أُطالع كتاب عبدالرحمن شلقم، السياسي الليبي البارز في عهد العقيد.. الكتاب بعنوان (رجال حول القذافي).. يستعرض فيه الكاتب جوانب من السيرة الذاتية، لتسعة وثلاثين رجلاً التفوا حول العقيد معمر القذافي، الذي بدأ حكم ليبيا في سبتمبر 1969 ، وحتى كتب (ثوار ليبيا) بالدم، خاتمة فصول حياته، في الثالث والعشرين من أكتوبر2012.
الكتاب يجمع بين السيرة الذاتية، واللغة الرفيعة التي تميز بها الدبلوماسي شلقم.. وقد وضع المؤلف أربعة أسس لاختيار الرجال في المناصب العليا في حقبة الزعيم والقائد الأوحد، أولها أن يكون الرجل ممن عمل مع معمر القذافي عن قرب، وثانيها أن يكون الشخص قد قام بدور مؤثر طوال مسيرة حكم القذافي.
أما الأساس الثالث، أن يكون القائد معمر القذافي هو من صنع الشخص وقرّبه نجياً، وليس لعبقرية فيه، لكن لعلمه بكيمياء الرجال، حسب وصف شلقم.. تلك المعرفة بالكيمياء، هي التي تجعل الرجل المختار طوع بنان الزعيم، وقادر كذلك على أداء الدور الموكل له باتقان.. أما الأُس الرابع والأخير، أن يكون الشخص قد عمل مع القذافي حتى آخر يوم في حياته.
الواقع أن فن كتابة السيرة، ليس أمراً جديداً، بل وتعتبر كتب السيرة الذاتية والمذكرات هي أعلى الكتب مبيعاً في العالم الغربي، بل وتتيح مبيعاتها لصاحبها وللناشر كذلك، أن يصبح مليونيراً بين عشية وضحاها.. من أشهر كتب المذكرات الحديثة في عالمنا المعاصر، كتاب الصحفي المصري حمادة إمام، الموسوم بــ (رجال حول الرئيس)، وهو الكتاب الذي يحكي قصصاً وحكايات عن رجال كانوا حول الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، خلال فترة حكمه.. وقد كتب المؤلف، أن الكتاب يحوي أسراراً وفضائح، لكبار المسؤولين، واختتم الكاتب مؤلفه بسؤال– (لماذا يذهب كبار المسؤولين، ومساعدي الرئيس إلى السجن، بعد زوال السلطان)..؟
يضع حمادة إمام، إجابة على هذا السؤال، فحواها أن الفساد وانعدام المحاسبة هو السبب الأساس في الوصول الى قمة المأساة عند نهاية العهد، ولمن يرى فإن في ذلك عبرةً لأولي الألباب، والناظر لواقعنا السياسي والاجتماعي، يجد ندرة في هذا الفن عند السودانيين، فلم نسمع بمن كتب تجربة، أو سيرة ذاتية، أو مذكرات، تحتوي أسراراً لحقبة رئاسية أو سلطوية، أو كشفاً لأغطية الصمت والعتمة والسرية، المضروبة حول الرئيس ورجاله، في العهد الديموقراطي، أو في عهد الحكومات العسكرية، رغم أن المجتمع السوداني مُغرم بالحكايات والقصص و(الشمارات)، و لكن كثيراً من القصص والمواقف، تنتهي بانتهاء مراسم دفن الحقبة وخلالها أيضاً.
إن الخوف من فحوى المذكرات، أي ما يمكن أن تحمله من أسرار خاصة وعامة، تجعل القيادات، ومن يمسكون بمقاليد الأمور في السودان وداخل الأحزاب، ترتعد من قمة رأسها حتى أخمص قدميها، عندما يتناهى للأسماع، خبر(تذكارات) الترابي على قناة الجزيرة، الى الدرجة التي تجعل رجلاً مثل كمال عمر، يستخدم لغة الشارع ليعبر عن خشيته من تجاوز الترابي للخطوط الحمراء في الحديث، إذا ما تكلّم في المسكوت عنه.. ونعود لكتاب شلقم، لنقف على أسلوب القذافي في استخدام الرجال.. إذ لم تشفع لمن كانوا حوله، درجاتهم العلمية، أو رُتبهم العسكرية من أن يكونوا أداة في يد العقيد، يستغلهم في الإذلال والإرعاب.. ولكن تبقى العبرة في الخواتيم.. لكل طاغية نهاية، و(كل مُغَطّي مَكْشوُف)، كما يقول المثل السوداني البليغ..