منى سلمان

انت يا الابيض ضميرك


الضمير كلمة تحمل العديد من المعاني، ففي دارجيتنا نطلق الكلمة على الدواخل أو القلب بصفته العاطفية وليس الوظيفية فنقول: (قلت ليهو كلام من جوه ضميري)، أو نقول (الزول ده تاعب لي ضميري)، أو (فلان ده زعلتا منو من جوه ضميري ) أو (بريدو من ضميري) .. وقديما غنت المغنية:
الرسموك في الضماير .. جميل يا ناير
وغناها أحمد المصطفى:
وين سميري .. سميري الفي ضميري
والضمير في لغة وصف النسوان خاصة، تطلق على منطقة خصر أو وسط المرأة فتوصف ذات الحشا المبروم بأنها (ضميرها كستبانة) أو (قبضة يد)، وقد تغنوا بصفات (أم ضمير) فقالوا: (عينيي يا بت الامير وعينيي يا السمحة ام ضمير)، كما غنت حبوباتنا (يا أم لسانا ما قالوا قال .. يا أم ضميرا لف السيجار) .. (لف السيجار) هنا ما مقصود بيها (خضراء المحن)، لكن زمان كان التبغ بيشتروه (فلت) ويقوم المدخن بـ (لف السجاير) بورق سلفان – الكلام ده حكوهو لي كمان ما تقولوا حضرتا زمنو !!
بمناسبة سيرة البحر، (الابيض ضميرك) .. افتكر انو نوع من انواع (الشربوت) يشرب مع لحم الضحية، وتعتمد درجة تغيبه لعقلك وايهامك بأن الـ (جواك بطل) على مدة التخمير !!
والضمير في العربية الفصحى هو ما يسمى بـ (الوجدان) ويطلق للتعبير عن قدرة الإنسان على التمييز بين الخطأ والصواب أو التمييز بين الحق والباطل، وهو المسئول عن الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الانسان مع قيمه الأخلاقية، وإلى الشعور بالاستقامة أو النزاهة عندما تتفق الأفعال مع القيم الأخلاقية.
أما علماء العلوم الإنسانية وعلم النفس فقد اعتبروا أن الضمير هو وظيفة من وظائف الدماغ التي تطورت لدي الإنسان، وهو جهاز نفسي يتعلق بالذات، فالمرء يهتم بتقييم نفسه بنفسه، فالضمير يقوم بمعاتبه الشخص إذا تبين أن نتيجة تقييمه لنفسه أو تقييم الأخرين له ليست جيدة، وللضمير علل وامراض فقد يبالغ في التراخي وقد يبالغ في القسوة، كما يمكن ان يكون سويا أو يتعرض للانحراف.
الضمير قد يكون فرديا كما في حالة تقييم الانسان لحياته الشخصية وعلاقاته بغيره ويسمى الضمير الفردي، وقد يتسع مفهوم الضمير ليشمل مجموعة من الناس، قد تكون محدودة أو قد يمتد ليشمل شعب بأكمله فنقول مثلا (ضمير الامة) أو (ضمير الشعب) ..
والإسلام دلل على وجود الضمير فقد قال النبي صلى لله عليه و سلم في شرحه للفرق بين البِر والإثم:
استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النَّفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك المفتون ..
قال بعض العارفين (عند موت الضمير يُصبِح كل شئ مباح، الكذب، الخيانة، القتل .. يتحول الإنسان لوحش كاسر ينتظر فريسة للانقضاض عليها، وتظهر الإنسانية ككلمة لا معنى لها، وعندما يموت الضمير يصير الحلال حرام و الحرام حلال .. تغفو العقول وتثور الأحقاد .. تتعطل إنسانية الإنسان وتفقد حواسه قيمتها فيغدو صاحب عقل لا يفقه، وصاحب عين لا تبصر، وصاحب إذن لا تسمع، وصاحب قلب لا يدرك . يا جماعة الكلام ده ماعندو اي علاقة بالسياسة .. كلام حكماء ساي !!
اخيرا نقول للضمائر الوان كما افتى بذلك شاعر المحنة (اسحق الحلنقي)، وذلك عندما وصف دواخل محبوبته بانها نقية صافية كقلوب الاطفال، ورغم ذلك فقد ناقض نفسه عندما قال بانها جائرة وتقابل محبته بالمهانة وتسببت في شقائه بالظنون .. أها ديل كيف بتلموا مع بعض ؟!!
إنت يا الأبيض ضميرك .. صافي زي قلب الرضيع
في كلامك وفي ابتسامك .. أحلى من زهر الربيع
عشت متهيئ لحبك .. كل أيامي وحنانا
ابتسامك عزيزة .. بحرق الآهات عشانا
كنت شايلك في عيوني .. باني ليك ارفع مكانة
بس لقيتك إنت جائر .. تظلم الحب بالمهانة
الدموع السايلة مني .. يا ما سالت حرقتني
والظنون الحارقة قلبي .. كم شقتني وارهقتني
كنت بجني شقاك محنة .. وأعشق أوهامي الطوتني
(أرشيف الكاتبة)